وسط تصاعد عمليات الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، يبدو المدنيين من أهل القطاع لقمة سائغة له .. ما يجعل هناك سؤالا منطقيا مفاده (أين حماس)؟.
![]() |
دبابات جيش الاحتلال الإسرائيلي تلهو في رفح كما تشاء، الصورة من IDF Spokesperson's Unit photographer، CC BY-SA 3.0، via wikimedia commons. |
فحتى عملياتها المتناثرة هنا وهناك، والتي كانت تسقط أعدادا صغيرة من جنود وضباط الجيش الإسرائيلي، توقفت تماما ولم نعد نسمع عن أيا منها.
في هذا التقرير نحن نسأل هذا السؤال، نسأل لأن دماء الناس التي تسيل تستحق أن يسئل عنها، ولأن العقل المسلم يستحق أن يفكر وأن لا يكتفي بما يطرح عليه.
انتصار حماس:
عندما حدثت الهدنة وتم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في يناير 2025، خرجت كافة وسائل الإعلام الموالية أو التي تميل إلى الحركة، تتحدث عن انتصارها.
ونحن هنا لا نتناقش عن من انهزم أو من انتصر، فهذا نقاش عبثي انتهي زمنه، لكننا نسأل، طالما انتصرت حماس، فأين هي الآن؟.
هل هناك من ينتصر في يناير، ثم وفي مارس وأبريل نجده عاجزا حتى عن إطلاق طلقة واحدة؟.
استعراضات تسليم الأسرى:
أيضا وعند تنفيذ الهدنة، تم تسليم العديد من الأسرى كجزء من الصفقة وقتها، حرصت حماس على استعراض قوتها، وخرجت علينا نفس وسائل الإعلام تقول أن الحركة قد نجحت في ترميم جزء كبير من قوتها.
كان التسليم يتم وسط استعراض بمئات المسلحين، مدججين بالأسلحة، فأين ذهب هؤلاء الآن؟.
إن ما يحدث اليوم في رفح، سبق وأن تكرر بصور أصغر، في كل مرة كانت المستشفيات تحاصر، ويموت الأطفال في الحضانات، ولا يتم التدخل لمنع القوات الإسرائيلية من الانفراد بها.
تكررت تلك الصور على امتداد الحرب الممتدة منذ أكتوبر 2023، حتى تشكلت اليوم الصورة الأكبر، تباد رفح ونبحث عن حماس فلا نجدها، ولا نجد من وقفوا يستعرضون قوتهم يوم سلموا الأسرى.
في يوليو من عام 2024، نشرنا في المعرفة للدراسات تقريرا وضعنا فيه دراسة عن هل كان من الممكن لحماس تطبيق خطة خالد بن الوليد في معركة اليرموك؟.
![]() |
لوحة تمثل القتال في معركة اليرموك بين المسلمين والبيزنطيين، Nouvelle française 886 fol. 9v، public domain. |
طرحنا هذا السؤال، ووجدنا تشابه بين ظروف المعركتين، وظروف طرفي المعركة، بل والأكثر إثارة تشابه بين أحداث المعركتين في الأيام الأولى للقتال، لكن الفارق أن حماس لم تطبق خطة بن الوليد.
رفض عمر بن الخطاب للقتال في البحر:
في خلافته الراشدة، تلقي الفاروق عمر بن الخطاب اقتراحا من واليه على الشام (معاوية بن أبي سفيان) يطلب فيه أن يسمح له بإنشاء أسطول يهاجم به البيزنطيين ويدفع عن سواحل الشام هجماتهم المتكررة عليها.
على سبيل القياس، فقد كان رفض عمر بن الخطاب لاقتراح معاوية، بل وعزله (العلاء بن الحضرمي) الذي ركب البحر جهة فارس، بناء على فلسفة خشيته -رضي الله عنه- على المسلمين.
وبنفس هذه الفلسفة، هل كان لدي حماس يوم قررت شن هجمات (طوفان الأقصى) نفس هذه الحسابات بالنسبة للمدنيين؟، خصوصا أن لدي إسرائيل سلاح جو من بين الأقوى في العالم، ولا يوجد لدي حماس ما يدافعون به عن أهل غزة ضده؟.
عزل القائد الشجاع حتى لا يهلك القوم:
في كتاب (سير إعلام النبلاء) للإمام شمس الدين الذهبي، ذكر للصحابي الجليل (البراء بن مالك) جاء فيه:
((قيل : كتب عمر بن الخطاب إلى أمراء الجيش : لا تستعملوا البراء على جيش ; فإنه مهلكة من المهالك يقدم بهم)).
إنه هو نفسه الصحابي الذي أمر المسلمين أن يحملوه على أسوار حديقة مسيلمة الكذاب واقتحمها وحده وقاتل وحده وفتح الباب وحده .. حتى اصيب بضعا وثمانين جرحا، وظل خالد بن الوليد يعالجه شهرا.
وهذا يعني أن الفاروق عمر بن الخطاب الذي فرق الله به بين الحق والباطل كان يري أن جيوش المسلمين يجب أن يتولاها قادة خبراء بفن الحرب، أولى من القادة الشجعان الذين قد يخوضون بالناس في "المهالك".
ولا تثريب على يحيى السنوار فقد كان مقاتلا حتى اللحظة الأخيرة في حياته والتي التقطتها مسيرة كواد كابتر. ولا على ((محمد الضيف)) فكلاهما نحسبهما من الشهداء بإذن اللَّهُ .. لكن ألا ينطبق عليهما نفس القاعدة التي وضعها عمر بن الخطاب بالنسبة للبراء بن مالك؟.
ترك المدن التي لا يمكن الدفاع عنها:
بل إن المسلمين وفي أكثر من مرة، ردوا الجزية لأهل المدن التي فتحوها وكانوا يعرفون أنهم لن يستطيعون الدفاع عنها في بعض الأحيان وذلك اتقاء حدوث معارك كبيرة يهلك فيها الكثير من الناس.
المفارقة أن هذه الوقائع بالتحديد حدثت في نفس الأرض التي يدور عليها القتال (الشام)، بل لقد كانت من أهم أسباب دخول الناس إلى الإسلام في تلك الأرض، حينما عرفوا حقيقة الإسلام، حينما شاهدوا أتباعه يحفظون لهم أرواحهم وأموالهم، وهي للأسف الشديد صورة معاكسة للوضع الراهن في غزة.
في النهاية، فإننا لا نملك إلا الدعاء لأهل غزة، ومن يستطيع فليبادر بالدعم المالي والإنساني.