سيناريوهات اغتيال إسماعيل هنية .. هل فشلت إيران في حماية حليفها ام سلمته لإسرائيل؟

كان صباح يوم الأربعاء 31 يوليو / تموز 2024 حزينا.

خبر كان مفاجأة للجميع، حركة حماس تعلن عن مقتل رئيس مكتبها السياسي (إسماعيل هنية) في ضربة وجهت لمقر إقامته في العاصمة الإيرانية طهران.

آخر صورة لإسماعيل هنية قبل ساعات من استشهاده، حيث ألتقي مع المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنائي، في اجتماع حضره زياد النخالة، زعيم حركة الجهاد الإسلامي، صورة من Attribution: Khamenei.ir.

ربما كان الناس يتوقعون أسماء مثل محمد الضيف أو يحيى السنوار على اعتبار وجودهما في غزة... أما إسماعيل هنية لم يكن يدور إسمه في ذهن أحد كمرشح للاغتيال.

الفاعل الذي يعرفه الجميع بالرغم من أنها لم تعلن عن نفسها، كانت (إسرائيل).

كيف وصل الإسرائيليين إلى مقر إسماعيل هنية؟:

بالرغم أن وجود هنية في طهران لم يكن سرا، فالرجل ذهب إلى هناك لحضور مراسم تعيين الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، إلا أن مقر إقامته بالتحديد كان من المفترض أن يكون هكذا، وخصوصا أننا نتحدث عن شخصية مهددة علنا بالاغتيال.

في نوفمبر من العام الماضي، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه طلب من الموساد العمل ضد قادة حماس في أي مكان يتواجدون فيه في العالم.

لذا، فإن التحديد الدقيق لا لمقر إقامة إسماعيل هنية في طهران فحسب والذي عرفنا فيما بعد أنه تابع للحرس الثوري الإيراني، بل وتحديد غرفته في هذا المكان بالتحديد، والأكثر من كل هذا التحديد الدقيق لتوقيت وجوده فيها.

إن هذا لا يخرج عن أحد احتمالين:

1. الاحتمال الأول: أن إيران نفسها غدرت بإسماعيل هنية وقبضت ثمن رأسه، وأن كل ما يدور الآن من تهديدات هو جزء من مسرحية هزلية كبيرة.
2. الاحتمال الثاني: أن تكون أجهزة الأمن الإيرانية مخترقة وعلى مستويات عالية جدا، وهذا ما يفتح الباب على وسعه للحديث عن الوجود اليهودي في إيران.

يهود إيران:

هناك حديث في صحيح مسلم وفي (رياض الصالحين) للإمام النووي، أن رسول اللّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: ((يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة)).

رجال يهود إيرانيون يصلون خلال احتفالات عيد حانوكا اليهودي في كنيس يوسف آباد، في طهران، إيران، (AP Photo/Vahid Salemi)، by Sajjadi Livejournal, via Flickr.

في هذا الحديث إشارة نبوية ليس فقط إلي وجود يهود في إيران بل إلي خطورتهم وشرهم وأنهم سيكونون من أتباع المسيح الدجال أعظم فتنة منذ آدم عليه السلام.

بحسب العديد من المصادر، فقد أعلن أعداد كبيرة من يهود إيران إسلامهم خصوصا بعد الثورة الإسلامية عام 1979، كان ذلك إسلاما ظاهريا، فيما احتفظوا بإيمانهم اليهودي في أعماقهم.

فمنذ ذلك التاريخ، بدأ استبعاد اليهود من أي مناصب أمنية أو عسكرية في إيران، كما أشارت بعض التقارير عن تعرض هواتفهم للمراقبة بشكل مستمر.

المقصود من هذا، أن هناك احتمالات لا يمكن الاستهانة بها قد تشير إلى أن الخيانة قد حدثت من قبل أشخاص من يهود إيران.

إيران مخترقة:

وسط كل هذه السيناريوهات والاحتمالات، فإن المؤكد الوحيد أن إيران مخترقة، سواء كان هذا الاختراق علي يد المواطنين اليهود فيها أو غيرهم.

والحقيقة الثانية وسط كل هذا، أن هذه ليست المرة الأولى التي ينفذ فيها الموساد عمليات ضخمة في الداخل الإيراني.

في عام 2018 على سبيل المثال، نفذ 20 من عملاء الموساد لم يكن أيا منهم يحمل الجنسية الإسرائيلية عملية سرقة أرشيف البرنامج النووي الإيراني في مستودع سري من قلب طهران في عملية استمرت لنحو ست ساعات ونصف، وعاد جميع من شارك فيها دون إلقاء القبض علي أي شخص منهم.

عملية مثل تلك تعد فضيحة بحق كل أجهزة الأمن الإيرانية، تلاها اغتيال محسن فخري زاده كبير الباحثين الإيرانيين في نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٠، وأيضا داخل إيران.

وبحسب ما نقلته صحيفة ((نيويورك تايمز)) الأمريكية عن مصادر "مجهولة" قالت أنها إيرانية على صلة بالتحقيقات في مقتل إسماعيل هنية، فإنه قد تم إلقاء القبض على أكثر من 20 شخص بينهم عسكريين وضباط استخبارات على أمل أن يساعد ذلك في كشف حقيقة ما حدث وإلقاء القبض على المتورطين فيه.

سيناريوهات إغتيال إسماعيل هنية:

صورة للمبني الذي استشهد فيه إسماعيل هنية، وتبدو غرفته مغطاة بالشباك لإخفاء آثار الضربة التي تعرضت لها، صورة تم تداولها على تيليجرام في إيران.

• السيناريو الأول: غارة جوية:

هذا السيناريو بخلاف أنه يحمل تأكيدا على مدى الخرق الكبير للداخل الإيراني ومعرفة الغرفة التي كان يبيت فيها هنية، فإنه يعني كذلك أن سماء إيران مفتوحة أمام سلاح الجو الإسرائيلي يعربد فيها كما يشاء.

وحتى لو قيل أن الصاروخ تم إطلاقه من دولة أخرى خارج حدود إيران، فإن وسائل الدفاع الجوي الحديثة قادرة على رصد الصواريخ والقنابل (جو-أرض) وتدميرها، بل وحتى بعض المنظومات القديمة يمكنها ذلك.

إيران لديها من المنظومات القادرة على التصدي للصواريخ والقنابل (جو-أرض) بالفعل، مثل المدفعية المضادة للطائرات من أنواع:

• ZU-23-2
• Oerlikon GDF
• KS-19 100mm anti-aircraft gun
• Mesbah 1
• ZSU-23-4 "Shilka"
• ZSU-57-2 (Ob'yekt 500)

بخلاف ذلك، تمتلك إيران منظومات دفاع جوي صاروخية تستطيع التعامل مع الصواريخ الكروز والقنابل الذكية، مثل منظومة بوك الروسية 9K37 Buk، بالإضافة إلى المنظومة الأقوى الروسية أيضا طراز اس-300 ((S-300)).

المرشد الإيراني على خامنائي يؤم المصلين في صلاة الجنازة على الشهيد اسماعيل هنية، تم نقل الجثمان بعد ذلك إلي قطر حيث أوديت عليه صلاة الجنازة مرة أخرى في جامع الإمام محمد بن عبد الوهاب في الدوحة، وشيعه عشرات الآلاف من المواطنين والمقيمين في قطر، وتم دفنه هناك، صورة من Attribution: Khamenei.ir.

بحسب هذا السيناريو فإن "الدولة المجاورة" لإيران التي أشارت لها أصابع الاتهام كانت (أذربيجان)، إنها دولة ذات غالبية شيعية، لكنها على علاقات متوترة مع طهران، وبالعكس تربطها علاقات متميزة مع الإسرائيليين لدرجة تسليح الجيش بأسلحة إسرائيلية.

وهي نفسها الدولة التي وقع حادث المروحية الذي أودي بحياة الرئيس الإيراني السابق (إبراهيم رئيسي) ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان، عقب عودتهم من افتتاح  سد على حدود البلدين حضره أيضا الرئيس الأذربيجاني.

• السيناريو الثاني: زراعة قنبلة:

هذا السيناريو تحدثت عنه صحيفة ((نيويورك تايمز الأمريكية))، وهو اسوء كوابيس الإيرانيين، لأنه يعني ببساطة أنه لا يوجد أجهزة أمن حقيقية أصلا لديهم.

الأكثر خطورة حسب هذا السيناريو أن القنبلة تم تهريبها داخل دار ضيافة تابع للحرس الثوري الإيراني منذ عدة شهور، هذا يعني أن الإسرائيليين قادرين على تهريب قنابل داخل مؤسسات إيرانية مهمة وشديدة الحراسة، وأنهم على علم بتوزيع وأماكن إقامة ضيوف طهران قبل وصولهم لها بشهور.

ليس هذا فحسب، بل إنه ووفقا لتلك الرواية فإن المكان كان مرصودا وبدقة وتم تفعيل القنبلة بعدما تم التحقق من وجود إسماعيل هنية في الداخل، وقد تضررت غرفة زعيم حركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة المجاورة بشكل طفيف جراء الإنفجار. 

• السيناريو الثالث: صاروخ إطلق من الأرض:

هذا السيناريو الذي جاء في بيان نشره الحرس الثوري الإيراني، عندما تحدث عن استخدام قذيفة قصيرة المدى ذات رأس حربي بزنة 7 كجم.

هذا هو ما توصل إليه التحقيق الإيراني بعدما قال الحرس الثوري الإيراني يوم وقوع حادثة الإغتيال أن المقذوف كان من "الجو".

هذا هو أسوء ثاني السيناريوهات للإيرانيين، لأنه لا يختلف كثيرا عن السيناريو الثاني، إذ يعني قدرة إسرائيل على إدخال أسلحتها وتنفيذ عمليات ناجحة بها في قلب طهران.

صورة لعملية إطلاق صاروخ من نوع سبايك الإسرائيلي الصنع، صورة من Jarosław Wolski، CC BY-SA 4.0، via wikimedia commons.

هذه بالمناسبة ليست المرة الأولى التي تنجح إسرائيل فيها في فعل نفس الشيء .. لقد فعلوها كما ذكرنا سابقا في اغتيال محسن فخري زاده كبير الباحثين الإيرانيين في المشروع النووي، الذي يعد درة تاج المشروع الإيراني كله.

إذا كان هذا السيناريو حقيقيا، فإن أغلب الظن أن الإسرائيليين استخدموا في إغتيال إسماعيل هنية، صواريخ سبايك المضادة للدبابات وهي أقوى صواريخهم البرية.

إنها صواريخ عالية الدقة وتنتمي لفئة Fire and forget أو (اطلق وانس) بمعني أنه بمجرد تحديد الهدف وإطلاق الصاروخ عليه فقد انتهي الأمر تماما، ويمكنكم معرفة كافة تفاصيله من تقريرنا: ((صواريخ سبايك المضادة للدبابات.. أقوى صواريخ إسرائيل)).

كذلك فقد يكون الإسرائيليين استخدموا مسيرة انتحارية وهي نوع من أنواع الطائرات بدون طيار التي يمكن إطلاق بعض الطرازات منها باليد.

هذا السيناريو -ومعه السيناريو الأول- يتماشي مع تصريحات ممثل حركة حماس في إيران (خالد القدومي) والتي وصف فيها مشاهدته للغرفة التي استشهد فيها إسماعيل هنية بأن المشهد بداخلها كان يدل على أن هناك شيء من الخارج ضرب الغرفة.

وفي النهاية أخبرنا .. ما رأيك انت.. كيف تم اغتيال إسماعيل هنية؟.. اغتيال أيا كان سببه فهو خرق أمني واضح وفشل في تأمين الضيف في عقر دار من يستضيفه؟ .. أم تعتقد أن إيران قد تورطت في الإغتيال وستقبض الثمن؟.