يقول عز وجل في كتابه الحكيم: ((أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ۖ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ)) [الآية 30 : سورة الأنبياء].
الماء هو سر الحياة وأصلها، هكذا تخبرنا الآية الكريمة.
العلماء احتاجوا لقرون طويلة حتى يتأكدوا من أن جميع الكائنات الحية، بداية من البكتيريا الزرقاء الصغيرة وصولا إلى الحيتان الزرقاء العملاقة تحتاج إلي الماء لكي تعيش.
دعونا اليوم نلقي الضوء على إكسير الحياة الحقيقي، الذي لا حياة بدونه.. دعونا نتعرف على الماء كما لم نعرفه من قبل.
الماء:
يتكون الماء وهو مركب غير عضوي من (ذرتين من الهيدروجين وذرة من الأوكسجين) وصيغته الجزيئية هي "H2O".
ويمكن أن يتواجد الماء بأكثر من صورة (غازية أو سائلة أو صلبة على شكل الجليد أو الثلج).
وبالطبع فإن الصورة الأشهر للماء هي وجوده كسائل على سطح الأرض، في الأنهار والبحار والمحيطات والبحيرات والجبال الجليدية، ويكون في شكله الأصلى صاف خالى من أي لون أو طعم أو رائحة.
وقد يمر بعدد من التحولات يبدأ فيها كسائل ويعود مجددا كسائل مرة أخرى.
على سبيل المثال، مياه المحيطات التي تتحول بسهولة بفعل أشعة الشمس إلى بخار (أي يأخذ صورة غازية) وينتقل بهذه الصورة عبر الغلاف الجوي حيث تتشكل السحب من قطرات معلقة من الماء والجليد، ثم يعود للسقوط مجددا في صورة قطرات مطر سائلة.
كذلك فإن الماء قد يتحول من الصورة الغازية إلى السائلة فقط عبر زجاجة ماء باردة أو مثلجة.
قبل أن تستغرب هذا .. فأنت شخصيا لابد وأن تكون قد لاحظت هذا من قبل.
إذا أحضرت زجاجة ماء باردة أو مثلجة، وخصوصا في يوم ترتفع فيه درجة الحرارة لتسريع هذه الملاحظة إذا أردت تجربتها، ستلاحظ بعد وقت قصير أن هناك مياه تتجمع على سطح الزجاجة، وربما لو تركتها بعض الوقت سيتراكم أسفل منها.
بالطبع هذا الماء لم يقفز من داخل الزجاجة، لكن ما حدث أن الزجاجة الباردة أو المثلجة عملت كمصدر تبريد لبخار الماء الموجود حولها، وعندما يصبح أكثر برودة فإنه يتحول من الصورة الغازية إلى السائلة ويترسب على سطح الزجاجة.
ويغطي الماء 70% من سطح كوكبنا وترفعه تقديرات أخرى إلى 75%.
معلومة تبدو مشهورة، لكن هل تخيلت أن الماء نفسه لا يشكل إلا 1 على الألف من حجم الكوكب.
هل تعلم معني هذا؟..
إذا عرفت أن حجم الأرض يصل إلى تريليون كيلومتر مكعب (التريليون يساوي ألف مليار)، فإن كل المياه في الأرض حجمها 1,4 مليار كيلو متر فقط بقطر 1400كم، أي أننا لو وضعنا كل الماء في العالم في مكان واحد سيعادل طوله طول دولة مدغشقر تقريبا.
ما هي أهمية الماء؟:
صف من الأبقار تجمعوا لشرب الماء، مقاطعة إيسيولو، كينيا (مصدر الصورة: ILRI/Geoffrey Njenga)، CC BY-NC-ND 2.0، via Flickr. |
لا يقدر الماء بثمن بالنسبة للبشر وحتى النباتات والحيوانات، باختصار إنه السائل الذي يجعل الحياة على الأرض ممكنة، وبدونه فلا حياة مطلقا.
معظم تكوين أجسادنا كبشر هو من الماء (تتراوح نسبة الماء في أجسادنا ما بين 60: 70٪)، وتختلف النسبة من جزء إلى آخر.
فالدماغ والقلب 73% منهما من الماء، وترتفع النسبة إلى 83% في الرئتين، ثم تنخفض في الجلد الذي يحتوي على 64٪ من الماء، فيما تصل إلى 79٪ في العضلات والكلى، في حين تصل إلى 31% فقط من تكوين العظام.
لذا فإننا نحتاج للشرب بشكل يومي حتى نواصل حياتنا.
العمليات الحيوية والمهمة داخل أجسامنا تتم من خلال المحاليل المائية، العصارة الهضمية مثلا هي التي تجعلنا نهضم طعامنا، الدم هو السائل الذي يجري في عروقنا لتستمر الحياة.
ما نأكله كذلك لا يمكن أن يأتينا إلا من خلال الماء، ولنضرب هنا عددا من الأمثلة التوضيحية:
- يحتاج كيلو الطماطم الواحد إلى 200 لتر من المياه.
- إذا شعرت أن هذا الرقم كبير، فماذا ستقول عندما تعلم أن كيلو اللحم البقري الواحد يحتاج إلى 15 ألف لتر من المياه من أجل إنتاجه.
- وماذا سيكون رد فعلك إذا عرفت أن كيلوغرام واحد فقط من الشوكولاته يستهلك 17 ألف لتر من المياه.
مخلوقات أخرى على كوكبنا اكتشف العلماء أن 90% من تركيبة أجسادها تتكون أصلا من الماء.
ولننتقل من الكائنات الحية إلى الصناعة، إذا كنت ممن يرتدون السروال الجينز، فحتى يصل إلى خزانة ملابسك، احتجنا إلى 10 آلاف لتر من المياه.
وبخلاف الأعداد التي لا حصر لها من الأدوية التي تأتي في صورة سائلة، فهناك حتى تلك الأدوية التي تحتاج إلى الإذابة مثل الأنواع المخصصة للحقن في الوريد أو في العضل، وفقاً لتعليمات الشركة المصنعة للدواء المراد تناوله.
إذا حاولنا يا عزيزي القارئ أن نضع الاستخدامات الصناعية للماء فإننا سنحتاج إلى كتاب كامل، لكننا سنذكر هنا منها بعض الأمثلة وفقط، مثل: صناعة الورق، صناعة المنسوجات، المشروبات والأطعمة، وحتى في التطبيقات النووية لدينا ((الماء الثقيل)).
ندرة الماء:
لو كان الماء الموجود في كوكبنا معظمه عذب صالح للشرب، لما كانت هناك مشكلة، لكن الحقيقة العلمية التي تقول أن 97,5٪ من ماء كوكبنا هو ماء مالح وأن العذب منه لا يشكل سوى 2,5% فقط تجعلنا نواجه مشكلة عويصة.
البحار والمحيطات ومياهما مالحة بالطبع يستأثران بحصة الأسد مع 96,5% من كميات الماء على كوكبنا.
لكن المشكلة تتعقد أكثر وتصبح معضلة حقيقية عندما نعرف أن حتى نسبة الاثنين ونصف بالمائة -نسبة الماء العذب- لا يتوافر منها إلا 0,03% فقط يستطيع البشر الوصول إليها واستغلالها، وأن باقي الكمية إما مياه جوفية أو حتى مياه جليدية في القطبين الشمالي والجنوبي.
يؤثر تغير المناخ سلبيا على الماء العذب في عالمنا، ومن أبرز الصور على ذلك ذوبان الجليد، Photo credit: Curt Carnemark, World Bank via Flickr. |
وهكذا .. فمع زيادة أعداد سكان كوكب الأرض يزداد الطلب على الماء بشكل كبير.
كما يزداد الضغط أيضًا بسبب تغير المناخ وزيادة الطلب والنمو السكاني.
تغير المناخ بالتحديد هو أحد أكثر المشاكل التي تواجه المياه، إذ ترتفع درجات الحرارة إلى أرقام قياسية، ما يؤدي إلى حدوث الجفاف.
لكن ارتفاع درجات الحرارة لا يقف تأثيره عند هذا الحد، إذ يزيد الناس من معدلات شربهم للماء وبقية المشروبات في تلك الأوقات لمواجهة شعورهم بالحرارة الشديدة ومنع أن يحدث لهم ما يسمي باسم (الإجهاد الحراري).
الأرقام حاليا أصبحت مخيفة بشكل حقيقي، فهناك على كوكبنا 1,1 مليار شخص لا يستطيعون الوصول إلى مياه صالحة للشرب، و 2,7 مليار شخص يعانون من ندرة الماء لمدة شهر واحد على الأقل كل عام.
في حين تتوقع منظمة worldwildlife أنه وبحلول عام 2025، سيواجه ثلثا سكان العالم شكل من أشكال نقص المياه.
حرب الماء:
خلال السنوات الأخيرة، قامت العديد من الدول التي تقع فيها منابع الأنهار الكبرى ببناء العديد من السدود على مجارى تلك الأنهار، وسدت تدفق المياه نحو بقية الدول في مجرى النهر.
تزيد تلك التصرفات من خطر إندلاع صراعات على المياه، ولعل من أبرز الأمثلة على ذلك (سد النهضة الإثيوبي) الذي تراه مصر والسودان بمثابة تصرف إثيوبي احادي الجانب يمس بمصالح البلدين بشكل خطير.
على اليسار تبدو مياه نهر النيل المتدفقة إلى مصر والسودان عبر آلاف السنين، أما جهة اليمين فيبدو سد النهضة الإثيوبي قاطعا مسارها، Water Alternatives Photos، Credit: Ana E. Cascão، via Flickr. |
هناك مؤرخين يتحدثون عن إندلاع حروب أو على الأقل "صراعات مسلحة" بالفعل بسبب المياه، كما يمكنكم الإطلاع هنا على تفاصيل واحدة من تلك الصراعات في تقريرنا: ((ضربة إسرائيل لمنشآت تغيير مسار نهر الاردن عام ١٩٦٤.. وحرب المياه العربية - الإسرائيلية الأولى)).
أضف إلى ذلك الحروب التي لم تقم اصلا بسبب الماء، لكنها سببت في عدم تمكن قدرة السكان على الوصول إلى الماء الصالح للشرب كما هو الحال في اليمن، وفي قطاع غزة.
كفاءة استخدام الماء:
ردا على تلك التحديات، ظهر مصطلح (كفاءة استخدام الماء) أو Water efficiency.
كفاءة استخدام الماء هي تحسين استخدامها، وزيادة إنتاجها، عبر اعتماد تقنيات وطرق تحد من إهدارها، خصوصا في المناطق التي تعاني من ندرة في المياه أو من الجفاف، حيث تزيد أهمية تقليل استهلاك الماء.
وأنت في اعتقادك .. هل سينجح العالم في حل أزمة ندرة الماء أم سنتوجه إلى خوض صراعات عسكرية بسببه؟.