هو نبي الله موسى، وينطق بالعبرية (موشيه).
هو كليم الله الذي اختصه -عز وجل- بأن كلمه بشكل مباشر دون وسيط من ملائكة أو غيرهم.
لوحة تمثل لحظة العثور على النبي موسى -عليه السلام- وهو طفل رضيع داخل قفص في النيل، اللوحة بريشة الفنان الهولندي البريطاني (لورانس ألما تاديما)، Artrenewal.org، via wikimedia commons. |
وحتى إن تكررت هذه الميزة مع رسول اللّه صلى اللَّه عليه وسلم في رحلة الإسراء والمعراج، فإنها كانت في تلك الليلة فقط، فيما كان حديث الخالق سبحانه وتعالى مع نبيه موسي -عليه السلام- دائما ومستمر.
وهو -عليه السلام- أحد الأنبياء الذين يشار إليهم بأنهم (أولى العزم من الرسل)، بسبب أنهم كانوا هم أكثر الأنبياء معاناة في تبليغ رسالة الله.
والمتأمل للقرآن الكريم، يجده أنه هو أكثر من تم ذكره في الكتاب الحكيم من بين جميع أنبياء الله ورسله.
ما هو اسم نبي موسي كاملا؟:
يقول (ابن الأثير) في كتابه "الكامل في التاريخ"، أن اسم نبي الله موسى -عليه السلام- هو:
((موسي بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب بن اسحاق بن إبراهيم)).
وهو بذلك يتقاطع نسبه مع رسول اللّه صلى اللَّه عليه وسلم، عند جدهما الأكبر أبو الأنبياء إبراهيم -عليه السلام-، ولكن رسول اللّه صلى اللَّه عليه وسلم من نسل نبي الله إسماعيل -عليه السلام-.
عائلة النبي موسي:
من هذا النسب، جاء أباء وأجداد النبي موسي إلى مصر في حقبة النبي يوسف -عليه السلام-.
أما والدته فيذكر ابن الأثير أن اسمها كان (يوخابد) وينطق كذلك يوكابد.
جزء من الورقة رقم 8 من الكتاب المقدس السرياني، موجود حاليا في باريس، فرنسا، تعرض فرعون وهو يواجه نبي الله موسى -عليه السلام-، public domain، via wikimedia commons. |
بعض المراجع التاريخية تحدد يوم السابع من آذار / مارس لسنة 1393 ق.م، بأنه اليوم الذي شهد ميلاد النبي موسي -عليه السلام-، وهو بذلك يكون قد ولد بعد أكثر من ألف عام من زمن جده أبو الأنبياء إبراهيم -عليه السلام-.
جاء الطفل ليكون الثالث في الترتيب بين أخوته، إذ يسبقه أخوه (هارون) الذي كان في الثالثة من عمره يومئذ، وتسبقهما أختهما الكبرى (مريم) والتي كانت في ربيعها السادس.
ومع أن الأمر واضح، فإننا نشير إلى أن البعض يخطئ ويخلط بين السيدة مريم أخت نبي الله موسى -عليه السلام-، وبين السيدة مريم العذراء ام نبي الله عيسي -عليه السلام-، وهما سيدتين مختلفتين، بلغ الفارق الزمني بينهما ما يزيد عن ألف عام.
وتتشابه قصة ظروف ميلاد النبي موسي -عليه السلام- في القرآن الكريم مع القصة الواردة في التوراة بشكل يكاد يكون متطابق.
يقول تعالى:
﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [القصص : الآية 7].
وهذه الآية الكريمة تشير إلى أن الأمر الإلهي جاء أولا بإرضاع الطفل، وذلك إلى أن تخشي أمه عليه، كأن يقترب مثلا من المنزل جنود فرعون أو يحدث اي شئ يكتشفون معه وجود طفل رضيع داخل البيت.
ووفقا لسفر الخروج، ولد موسي -عليه السلام- لأبوين عبرانيين، وظل في المنزل تحت رعاية أمه لمدة ثلاثة شهور، وقتها شعرت والدته بالخطر يقترب من وليدها.
وضعت الأم والاب ابنهما طافيًا على مياه النيل في سلة من القصب، وذلك لينقذوه من القتل، إذ ولد في عام كان يسري فيه مرسوم من فرعون مصر يقضي بقتل كل مولود ذكر من بني إسرائيل.
مقام يعتقد أنه لنبي الله موسي -عليه السلام-، موجود حاليا في جبل نيبو في المملكة الأردنية الهاشمية، Milei.vencel، CC BY-SA 3.0 DEED، via wikimedia commons. |
كان هناك خوف يتردد داخل نفس فرعون مصر من ميلاد طفل من بني إسرائيل يكبر ويستطيع تخليص قومه من العبودية، هذا بخلاف بعد مهم آخر.
تمثل ذلك في أن بني إسرائيل وقبل هذا المرسوم كانوا قد بدأوا يشكلون نسبة من السكان بسبب تكاثرهم، لذا كان قتل مواليدهم الذكور حلا لمواجهة تلك المشكلتين.
ونتابع القصة المتشابهة بين القرآن الكريم وسفر الخروج في العهد القديم، إذ يقول تعالى:
﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ﴾ [القصص : الآية 8].
وجاء في العهد القديم أن إبنة فرعون هي من لاحظت وجود طفل داخل هذه السلة، حيث أخرجوه منها وتمت تربيته في بلاط فرعون الذي تبناه بنفسه.
وتحقق الوعد الأول في الآية الكريمة وهي أن يرد الطفل إلى أمه .. إذ لم يتقبل أن يرضع من أي سيدة أخرى، وورد ذلك في القرآن الكريم في قوله تعالى:
((۞ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13)) [الآيات من سورة القصص].
وهكذا .. يتبقي تحقيق الوعد الثاني وهو جعله واحدا من رسل الله... الوعد الذي سيتحقق بمرور الأيام.
معلومات عن النبي موسي:
من الناحية التاريخية، يعتقد أن النبي موسي -عليه السلام- قد عاش خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر قبل الميلاد.
بعثه الله تعالى من أجل (بني إسرائيل) الذين كانوا وقتها قد تحولوا إلى عبيد في مصر، بعدما تتالت عليهم النكبات والمحن منذ وفاة نبي الله يوسف -عليه السلام-.
مجموعة من المستوطنين يحملون نسخة من التوراة Olevy، CC BY-SA 1.0 DEED، via wikimedia commons. |
أتاه الله عز وجل كتابا هو (التوراة) والتي يشار إليها كذلك باسم (صحف موسي الخمس)، ولعل هذا الوصف قد يكون متطابقا مع قوله تعالى:
((أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ)) [النجم : الآية 36].
نصت التوراة أساسا على وحدانية الخالق، كما نظم القواعد الدينية والمدنية والعقوبات التي تحكم المجتمع.
وبالرغم من العبث والتحريف الذي طال التوراة، فأتباعها -والمسيحيين معهم- لا يزالون متأثرين بالعديد من مظاهر حياتهم الدينية وتصرفاتهم الأخلاقية وطباعهم الاجتماعية بالتعاليم الواردة بها.
وهو عند اليهود -والمسلمين بدرجة ما- يعتبر أهم أنبياء بني إسرائيل، وفي نفس الوقت هو نبي مهم عند المسيحيين، بل وأحيانا ما يعبرون عن الدين اليهودي بأنه (الموسوية) أو (الإيمان الموسوي) نسبة إليه.
أيضا اتباع الديانة التي تسمي (البهائية) مؤمنين بالنبي موسي ومكانته العظيمة، لذا فإننا إذا تكلمنا بلغة الأرقام، فإن نبي الله موسى -عليه السلام- قد يكون هو أكثر نبي يؤمن برسالته الناس على سطح كوكبنا.
من عهد النبي موسي -عليه السلام- بدأ في الظهور الإدعاء اليهودي بأنهم ((شعب الله المختار)) وأنهم قد حصلوا على هذه المكانة في زمانه.
وتختلف النظرة الإسلامية والمسيحية لنبي الله موسي -عليه السلام- من ناحية مسألة "التوحيد"، والغريب هنا أنه وفي حين يعتبر المسيحيين أسفار النبي موسي الخمسة هي أول خمسة أسفار من "الكتاب المقدس" لديهم، بخلاف الاستشهاد به في كثير من مواضع العهد الجديد.
بالرغم من كل ذلك، يخالف المسيحيين رسالته ودعوته بتوحيد الله عز وجل.
بينما ومع إيمان المسلمين أن التوراة قد نالتها يد العبث والتحريف، فإنهم يؤمنون بوحدانية الله -عز وجل- أساس دعوة موسي -عليه السلام-.
وفي القرآن الكريم، نجد أن نبي الله موسى -عليه السلام- هو أكثر الأنبياء ذكرا .. لقد ورد ذكره في 136 مرة، ولك أن تعرف عزيزي القارئ أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم لم يذكر اسمه في القرآن سوى في 4 مرات فقط، وإن كان بالطبع قد تم ذكره بوصف النبي أو الرسول في مرات عديدة.
وإذا ما نظرنا إلى الأرض التي يحتلها اليهود الآن "فلسطين"، فحتى قبل سقوطها في يد الإحتلال الانجليزي خلال الحرب العالمية الأولى، ظل العثمانيين حكام فلسطين المسلمين وقتها يقيمون بشكل سنوي بين عامي (1850-1917) الاحتفال الشهير باسم "موسم النبي موسي".
قصة النبي موسي:
مع تربيته في بلاط فرعون، ضمن النبي موسي -عليه السلام- لنفسه ميزة هامة لم يتمتع بها أحد يومها من بني إسرائيل .. ببساطة لقد كان حرا.
في تلك الفترة، كان بني إسرائيل كما قلنا عبيدا في مصر، وانتشر نظام عمل يعرف باسم ((التكليف)) حيث كان هناك موظفين مصريين يشرفون على عمل العبيد الذين واصلوا العمل في ظروف شديدة الصعوبة.
في أحد الأيام، وجد النبي موسي -عليه السلام- أحد المكلفين المصريين يعتدي بالضرب بغلظة شديدة على أحد العبيد من بني إسرائيل، فتدخل ودفع المصري الذي سقط قتيلا.
بعد أن قتل أحد المصريين دون قصد سابق -أو كما يقال قتل خطأ-، وجد النبي موسي -عليه السلام- نفسه مضطرا إلى مغادرة مصر، حتى وصل إلى أرض مدين، وهناك تزوج من السيدة (صفورا) والتي كانت واحدة من ابنتين هما بنات نبي الله شعيب -عليه السلام-.
في طريق عودته إلى مصر من جديد بعد انتهاء مدة عمله لدي النبي شعيب -عليه السلام-، تلقي موسي -عليه السلام- الرسالة والنبوة عندما كلمه خالق الكون عند جبل الطور في سيناء.
وفي هذه المحادثة .. أعطاه الله -عز وجل- منحة أخرى بأن جعل أخوه هارون مساعدا له في أداء الرسالة.
وقد ورد ذكر ذلك في القرآن الكريم، يقول تعالى:
((وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ (34) قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا ۚ بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35)) {الآيات من سورة القصص}.
في ذلك العصر، والذي اتسم أساسا بوجود حاكم طاغية متجبر قال أنا ربكم الأعلى.. ومجتمع جاهل عم فيه الفساد وانتشرت فيه أعمال السحر والشعوذة، كان لزاما أن يأتي النبي المبعوث في مجتمع كهذا بمعجزات تتناسب مع عصره وظروفه.
وهنا بالتحديد يثار خلاف تاريخي عويص بين العديد من وجهات النظر.
فهناك من يقول أن فرعون موسي غير معروف، وهناك من يذهب للقول بأنه الملك (رمسيس الثاني) ورأي ثالث يتحدث عن شخص اسمه (قابوس بن مصعب بن معاوية).
وفي معجزة آلهية.. شق الله عز وجل البحر لنبيه ومن معه من بني إسرائيل.. ويعتقد أن هذا البحر هو (البحر الأحمر).
رحلة سيناء:
يعتقد في التراث اليهودي والمسيحي، أن النبي موسي -عليه السلام- قد تلقي (الوصايا العشر) وأبلغها لبني إسرائيل خلال رحلتهم في سيناء.
بنظرة إلى الوصايا العشر نجد أنها لا تختلف عن التعاليم الإسلامية، فهي تأمر بعبادة الله وحده لا شريك له، وعدم صناعة الأصنام أو التماثيل، وعدم الحلف بالله كذبا، والامتناع عن القتل والسرقة والزنا وشهادة الزور، وعدم اشتهاء ممتلكات الأقارب، وإكرام الوالدين
ربما يعد الفارق الوحيد هو تقديس يوم السبت.
سيتوفي النبي موسى -عليه السلام- وسيترك خلفه أمة تلاحقها المصاعب إلى يومنا هذا، كثيرا من تلك المصاعب .. هي من فعل أيديهم.