كثيرون هم من يبحثون عن عمر الخيام بسبب شعره، لكن الرجل الفارسي الأصل، كان أيضا عالم رياضيات وعالم فلك موهوب وفذ.
 |
| لوحة مرسومة لعمر المختار، بريشة الفنان السوفيتي أ. فينيديكتوف، public domain. |
عمر الخيام، الذي عاش معظم حياته بين سمرقند وأصفهان، نتتبع اليوم قصة حياته التي قلما نجد مثيلا لها.
قصة حياة عمر الخيام:
اسمه الأصلي (غياث عمر أبو الفتح الخيام)، ويعرف كذلك باسم (أبو الفتح)، و (عمر بن إبراهيم الخيام النيسابوري) نسبة إلى نيسابور عاصمة خراسان وأهم مراكزها التجارية، والتي ولد بها يوم 18 مايو عام 1048م على أرجح الأقوال.
كما تضيف الموسوعة البريطانية لأسمائه (عمر بن إبراهيم الخيامي)، و (غياث الدين أبو الفتح).
أما لقب (الخيام) فقد نسب إلى عمل والده الذي كان صانعا وتاجرا للخيام التي كانت رائجة بطبيعة ذلك الزمان.
عاش الرجل حياة حافله على مدار عمره البالغ 83 عاما، حيث توفي يوم 4 ديسمبر سنة 1131، في نفس مكان ولادته في نيسابور الموجودة حاليا في إيران.
تلك الفترة التي عاش فيها، والممتدة في التقويم الهجري بين عامي (439 - 526 ه) تميزت بهدوء وسلام نسبي في ظل العصر الذهبي للدولة السلجوقية، مكنته من أن يكرس نفسه بالكامل لعمله العلمي والأدبي.
حيث امتد سلطان السلاجقة وهم قبائل من أصول تركية في القرن الحادي عشر، ليشكل ما يشبه الإمبراطورية، ضمت تحت جناحيها بلاد ما بين النهرين (العراق) وسوريا وفلسطين ومعظم أنحاء إيران ووسط آسيا، لتعطي الفرصة للعلماء والموهوبين مثل عمر الخيام في الظهور بل والبزوغ بشكل سيتوقف عنده التاريخ طويلا.
قصة رباعيات عمر الخيام:
من أشهر ما كتبه عمر الخيام هو ما يعرف باسم (رباعيات عمر الخيام)، والمكونة من مئات الرباعيات.
 |
| ضريح عمر الخيام في مدينة نيسابور الإيرانية، من تصميم المهندس المعماري الإيراني هوشانغ سيهون والذي وضع مقتطفات من رباعيات الخيام عليه، صورة من Ninara from Helsinki, Finland، CC BY 2.0 DEED، via wikimedia commons. |
وهنا توضيح مهم، فبسبب شهرة رباعيات عمر الخيام، يظن البعض أن كلمة (رباعيات) هي خاصة به فقط، وهذا ظن خاطئ، لأن الرباعيات هي مقاطع شعرية يتألف كل منها من أربع أبيات.
فأي شاعر يكتب شعر من هذا النوع يكون قد كتب رباعيات، مثل رباعيات صلاح جاهين مثلا.
وكل رباعية تكون مستقلة عن الأخرى، فهي تعتبر قصيدة مستقلة بحد ذاتها، ولا ينظر إليهم باعتبارهم قصيدة واحدة.
وبالعودة إلي (رباعيات عمر الخيام) فنحن نملك منها حوالى 250 رباعية، منهم حوالى 50 يتفق المؤرخين والعلماء أنها تخص عمر الخيام بالفعل وأنه هو من كتبها، فيما يثور الخلاف حول ال200 المتبقيين.
إنجازات عمر الخيام:
عمر الخيام يا عزيزي لم يكن مجرد شاعر، ولا حتى عالم رياضيات عادي، بل أحد أهم علماء الرياضيات في عصره، وساهم بعمله في تطوير الرياضيات بشكل كبير خلال القرن العاشر الميلادي.
عمر الخيام، الشاعر الهمام، هو نفسه من اكتشف طريقة عامة لاستخراج عدد جذور ((معادلة كثيرة الحدود)).
وفي علم الجبر، قدم الخيام أيضا أول حل كامل لمعادلة تسمي (المعادلات التكعيبية)، وهي مسألة رياضية معقدة لم يسبقه أحد في حلها، وبالرغم من أن حله لها لم يكن متكاملا، إلا أن العالم احتاج 750 سنة بعده لكي يكمل العلماء عمله على حلها.
عمر الخيام يعتبر أيضا هو و (ابن الهيثم) أبرز العلماء المسلمين الذين عملوا على ما يعرف باسم (مسلمة التوازي) وهي خامس مسلمة من مسلمات إقليدس، عالم الرياضيات اليوناني الملقب بأبو الهندسة.
 |
| حل عمر الخيام للمعادلة التكعيبية باستخدام المقاطع المخروطية، الصورة لأول صفحة من مخطوطة مكونة من فصلين كتبها الرجل، ولاتزال محفوظة حتى يومنا هذا لدي جامعة طهران، Xashaiar، public domain، via wikimedia commons. |
وبالرغم من أن محاولاته فشلت، لكن الأفكار التي طرحها في هذه المسألة بالتحديد أصبحت هي الطريقة التي يعتمدها علماء الهندسة في مناقشاتهم حول مسلمة التوازي.
المصادر التاريخية تذكر أن عمر الخيام وقبل أن يتم عامه الخامس والعشرين كان قد وضع بالفعل كتب في الرياضيات وفي الموسيقي.
وبجانب الرياضيات، كان لعمر الخيام إنجازات كبيرة في ((علم الفلك)).
بالطبع، كان لكل تلك الأعمال دورا في شهرة عمر الخيام، وهو ما دعا (جلال الدين شاه مالك شاه) السلطان السلجوقي العظيم لإرسال دعوة يطلب فيها منه القدوم إلى أصفهان عاصمة دولته وإنشاء مرصد فلكي فيها.
هناك وعلى مدار 18 سنة قاد الخيام عدد من أبرز علماء الفلك في عصره -كانوا قادمين مثله بدعوة من السلطان-، وأنتجوا أعمالا متميزة للغاية في مجال الفلك.
من أبرز تلك الانجازات، ما يعرف باسم (التقويم الفارسي) أو (التقويم الهجري الشمسي) أو (التقويم الجلالي) نسبة إلى السلطان جلال الدين الذي تم إنجازه في عهده وبطلب منه شخصيا.
هذا التقويم الشمسي هو نفسه الذي لا تزال إيران تعتمد عليه حتى يومنا هذا (يجعل السنة 365 يوم و 5 ساعات و 48 دقيقة و 46 ثانية).
هذا التقويم أنجزه (عمر الخيام) ومن معه من العلماء في (مرصد أصفهان) عام 1074م، ويوصف حتى اليوم أنه "التقويم الأكثر دقة".
وهذا ما يشهد به المؤرخ والكيميائي الأمريكي من أصول بلجيكية (جورج سارتن) والذي يعد أحد أبرز علماء العالم في النصف الثاني من القرن العشرين، إذ يعتبره أدق من (التقويم الغريغوري) أو (التقويم المسيحي) والمعمول به في معظم دول العالم.
وهو أيضا أكثر دقة من التقويم الهجري القمري، والذي لم يكن يناسب الدولة السلجوقية إداريا، وفي حين أن عمر الخيام ومن معه جعلوه يبدأ من سنة تتويج جلال الدين شاه مالك شاه، فقد تغير ذلك حاليا وأصبحت سنته الأولى هي سنة هجرة الرسول صلى اللّه عليه وسلم إلي المدينة المنورة.
كل تلك الإنجازات العلمية، جعل هناك وجهة نظر قوية ومنتشرة تقول أن عمر الخيام كان يكتب الشعر فقط في أوقات معينة حين يصفو باله أو لحظات التجلي، وأن معظم حياته أمضاها بين الفلك والرياضيات وليس الشعر.
ما أنجزه عمر الخيام يا عزيزي جعل الغرب يتسابق على ترجمة كتبه، ونحن لدينا مصادر تتحدث عن أربعين مترجم انشغلوا بترجمة مختلف أعماله في الرياضيات والشعر والفلك، بخلاف عشرات وربما مئات الدراسات الجامعية والأبحاث بمختلف لغات الدنيا.
كما قامت Google في ذكراه بتغيير شعارها في 17 دولة، ظهر فيها لكل المستخدمين لمحرك البحث العملاق رسم متحرك مخصص، مع صورة تسلط الضوء على الخيام وأهم إنجازاته.
وبالرغم من أن عمر الخيام وضع كل ما توصل إليه في كتب ومؤلفات كانت شاهد حي عن مدى عبقرية هذا الرجل.
فإن الحقيقة تقول أنه وللأسف الشديد فإن معظم كتابات عمر الخيام ضاعت أصلا بمرور الوقت ولم يصلنا منها إلا القليل، ومن أهمها كتابه (شرح ما إشكل من مصادرات إقليدس) و كتاب (رسالة في الموسيقي) وكتاب (جوابا لثلاث مسائل).
ومع ذلك، فإذا أردنا أن نحدد الترجمة الأهم، والتي جعلت شعر عمر المختار وصاحبه نفسه معروفين في عالم القراءة باللغة الإنجليزية، كانت تلك التي قام بها الشاعر والكاتب والمترجم الإنجليزي (إدوارد فيتزجيرالد) والتي حملت اسم (رباعيات عمر الخيام) وصدرت في العام 1895.
علاقة عمر الخيام بالحشاشين:
من بين النقاط المهمة في مسار حياة عمر الخيام هي علاقته بجماعة الحشاشين التي كانت واحدة من أخطر فرق الإغتيالات في عصره.
هذه العلاقة بدأ الحديث عنها عقب وفاته بوقت قصير، حينما تردد على ألسنة الناس أنه كانت تربطه علاقة صداقة مع (حسن بن الصباح) زعيم جماعة الحشاشين، بل وأن علاقة الصداقة تلك كانت "ثلاثية" ضمت معهما الوزير (نظام الملك) وزير الدولة السلجوقية العظيم في عهد السلطان ألب أرسلان، وخليفته من بعده ابنه، جلال الدين شاه مالك شاه.
حسن الصباح وجماعته (الحشاشين) كانوا من الشيعة الإسماعيلية ثم كونوا فرقة تسمي (الفرقة النزارية) متخذين من قلعة إلموت في جبال إلبرز جنوب بحر قزوين معقلا يشنون منه ضرباتهم، ويحميهم من انتقام أعدائهم.
وأغلب الظن أن هذه الفرقة سميت بهذا الاسم كتعريب لكلمة asesino الإسبانية و assasin الفرنسية والإنجليزية و assasino الإيطالية، كتعبير عن القتلة مع سبق الإصرار والترصد.
بنظرة تحليلية لفكر هذه الجماعة ونشاطها، نقول أنه من غير المنطقي أن يرتبط بها عمر الخيام، ذلك العالم في الرياضيات والفلك والشاعر الكبير، وأنه حتى لو كان ذات يوما صديقا لحسن الصباح، فكم من صديق تفرقت به السبل عن صديقه؟.
هل كان عمر الخيام شيعيا؟:
ربما كانت أصداء العلاقة بين عمر الخيام وحسن الصباح هي السبب وراء اعتقاد البعض أنه كان شيعي المذهب.
لكن من المرجح أن الخيام وعائلته بأكملها كانت تتبع المذهب السني وليس الشيعي، ويمكن الاعتماد في ذلك على:
- أنهم كانوا يعيشون في ظل الدولة السلجوقية، وبالرغم من أنها كانت تضم سكانا من الشيعة، إلا أن الغالبية العظمى من سكانها كانوا من السنة.
- الأهم من ذلك هو اسمه نفسه (عمر) .. وهو اسم لا يسميه أحد إلا أتباع المذهب السني.
هل كان عمر الخيام ملحد؟:
هناك بعض الأراء التي تتهم عمر الخيام بأنه كان (ملحدا)، وأراء أخرى كان أصحابها أكثر رحمه به فقالوا أنه (زنديق).
وتبني هذه الآراء وجهة نظرها بناء على الأشعار التي كتبها، ولكن من هذه الأشعار نفسها يمكن الرد والقول بأنه مؤمن بالله ، بل ويذكر نعمته عليه.
فيقول عن نفسه:
سبقت السائرين إلي المعالى .. بثاقب فكر وعلو همه
فلاح لناظري نور الهدي في ليال للضلالة مدلهمه
يريدون الحاسدون ليطفئوه
ويأبي الله إلا أن يتمه
القارئ لشعر عمر الخيام إذن ربما يشعر بأنه شعر كتبه شخصين وليس شخص واحد.
فهناك حالات تجده فيها مؤمنا هادئا، بل إن البعض يستشهد بحالاته تلك ليقول عنه أنه كان (من أولياء الله الصالحين).
فيما وفي حالات أخرى تجده حائرا بل وحتى تشعر أنه خارجا عن الدين أو ملحدا كما يقول عنه البعض.
فنقرأ وصيته التي أوصى بها رفاقه بالشعر، يقول فيها عن الخمر:
واغسلوني بها متى مت برا .. ومن الكرم هيئوا التابوتا
فهو يوصي أصحابه بأن يغسلوه بالخمر بدلا من الماء، وأن يصنعوا التابوت الذي سيدفن به من شجر الكَرم الذي ينتج العنب الذي يصنع منه الخمر.
