في نفس المكان تقريبا، تخطط العراق والكويت ليبني كل منهما الميناء الخاص به.
العراق سيكون لديه (ميناء الفاو) فيما الكويتيين يخططون لتشييد (ميناء مبارك الكبير)، وكلاهما لديه الخطة ليربح ميناءه في هذا التحدي الكبير.
مبارك الكبير يسد الطريق:
الخريطة تشرح كل شيء ، تحيط الكويت بالعراق وتمنعه من الوصول إلى البحر بسهولة، Courtesy of the University of Texas Libraries، CC BY-SA 4.0 DEED، via wikimedia commons. |
لا يمكن أن نفهم التحدى بين المينائين الكويتي والعراقي، إلا بنظرة على الخريطة.
بنظرة بسيطة عليها، نلاحظ دولة العراق بمساحتها الكاملة، والكويت تسد عليها الطريق نحو المنفذ البحري إلى الخليج العربي، وخصوصا (جزيرة بوبيان) إنها هي نفسها الجزيرة التي سيقام عليها ميناء مبارك الكبير في أقصى شمال غرب الخليج.
على اليمين قليلا، نجد شبه جزيرة الفاو، إنها المكان الذي يعقد عليه العراقيين أمالهم للوصول من وإلى الخليج، بل وليصبح أكبر ميناء بحري في المنطقة.
لكن قد يبدر هنا سؤال مهم في ذهنك عزيزي القارئ .. وهو لماذا التنافس أصلا؟.. هذا ميناء تتاجر به الكويت تجارتها، وذلك يفعل به العراقيين نفس الشيء.
كان ذلك صحيحا فيما مضي، وقتما كانت الموانئ مجرد مدخل ومخرج للبضائع من وإلى الدولة، لكننا الآن دخلنا عصر (الجيل الخامس) من الموانئ.
هذه الموانئ أصبحت محطات شحن وتفريغ، كما أصبحت محطات عبور البضائع من دولة إلى أخرى غير الدولة المقام فيها الميناء أصلا (مثلا شحنة هواتف من الصين مصدرة إلى تركيا).. من أين ستمر؟... هل من ميناء الفاو ام من ميناء مبارك؟.
للاختيار سيكون لدي خطوط وشركات الشحن العديد من المعايير، ولكن أهمها ((السرعة، الدقة، التكلفة))، فمن تفوق ربح، هكذا الأمر ببساطة.
خور عبد الله ومزيد من الاحتقان:
بنظرة أخرى على الخريطة سنلاحظ شيئا آخر..
بالتحديد الفاصل المائي بين جزيرة بوبيان حيث ميناء مبارك الكبير وبين الفاو ومينائها الكبير، إنه (خور عبد الله).
كان الجميع قد تنفس الصعداء عندما وقع البلدين اتفاقية عام 2013، صدق فيها العراق على قرار مجلس الأمن الدولى رقم 833 لسنة 1993 القاضي بتقسيمه بين الدولتين، لكن حكم (المحكمة الاتحادية العليا العراقية) في سبتمبر 2023 قضى ببطلان تصديق العراق على الاتفاقية.
هذا يجعل المجال مفتوحا لمزيد من التوترات، لأن كلا البلدين قد يعمد إلى وضع العراقيل أمام الآخر خصوصا أن الخور يحيط بأجزاء من الميناء الكويتي ونظيره العراقي.
سباق:
المتأمل للمشروعين، يلاحظ وجود نشاط عراقي ملحوظ خصوصا إذا ما قورن مع التحركات الكويتية التي لا يزال يعيبها البطء الشديد.
ولنضرب أمثلة على ذلك في صورة تسلسل زمني:
التحركات العراقية
- فبراير 2021: الحكومة العراقية توقع عقدا مع شركة (دايو الكورية) لبناء وتشغيل ميناء الفاو.
- أبريل 2024: العراق والإمارات وتركيا وقطر، يوقعون بشكل جماعي على مذكرة تعاون مشترك لإنشاء (طريق التنمية وتطوير ميناء الفاو)، وهو طريق من المخطط أن يربط من خلال "ميناء الفاو" بين العراق وتركيا، ومنها إلى أوروبا بطول 1200 كم يشمل إنشاء خط سكك حديدية بتكلفة 17 مليار دولار، ويتم إنشاءه على 3 مراحل أولها ينتهي عام 2028، والثانية عام 2033، والأخيرة عام 2050.
التحركات الكويتية
- سبتمبر 2023: الكويت تتفق مع الصين على إستكمال العمل في مشروع ميناء مبارك الكبير.
فرضية خنق العراق:
تعاني العراق من ضيق نافذتها البحرية التي تطل منها على العالم، في الصورة ناقلة تجارية تتزود بالنفط من منصة ميناء خور العمية العراقي، U.S. Navy photo by Mass Communication 2nd Class Nathan Schaeffer. |
ربما يكون سبب أن العراقيين في عجلة من أمرهم، هو الاعتقاد المتداول بشدة في الأوساط العراقية أن (ميناء مبارك الكبير) سيأتي ليخنق العراق، ويستشهدون على ذلك بأن الكويت لديها خمسة موانئ بالفعل، وأنها حينما قررت بناء الميناء السادس اختارت مكانه على بعد أقل من 2 كم من الحدود العراقية (بالتحديد 1950 متر).
وبعيدا عن التفسيرات العراقية المتباينة من أن تلك هي مؤامرة كويتية، وبين من يراها حق مشروع للكويت يجب منافسته والتغلب عليه، وبين من عاد للحديث إلى أن الكويت مستقطعة من العراق بواسطة الإنجليز، وأنها كلها كانت يجب أن تكون عراقية، وبالتالي لم يكن هناك مجال أصلا للمنافسة.
وبعيدا عن أننا شهدنا في العام 2010 تهديدا كارتونيا من جماعة حزب الله العراقية للشركات العاملة في ميناء مبارك.
بعيدا عن كل هذا، فإن هناك إيمان في العراق لدي أصحاب كل هذه الآراء بأن نجاح ميناء مبارك الكبير يعني خنق العراق وحرمانه من التواصل مع العالم، بل وتحوله إلى دولة (شبه حبيسة) أكثر فأكثر.
فلك أن تعلم يا عزيزي القارئ أن العراق دولة تبلغ مساحتها ما يزيد عن نصف مليون كيلومتر فإن سواحلها بطول 50 كم فحسب، فيما الكويت التي تقف مساحتها عند 18 ألف كم² تملك سواحل بطول 500كم، لذا فإن العراقيين لا يريدون مزيدا من الانحباس.
هل ربحت العراق السباق؟:
بالرغم من أن العراقيين يبدون أنشط، إلا أنهم لم يربحوا السباق بعد، بل إن كل ما أنجزوه حتى الآن يواجه الكثير من العراقيل وعوامل الخطر.
تعاني العراق من معدلات فساد عالية للغاية، كما أن سوء الإدارة يضرب الكثير من مفاصلها.
الوضع في الكويت ليس أحسن حالا، إذ يتسم التحرك هناك بالبطء الشديد، فلك أن تعلم يا عزيزي القارئ أن ميناء مبارك الكبير كان من المفترض أن يدخل الخدمة بمرحلته الأولى (كان من المخطط أن يبدأ الميناء بأربعة أرصفة، مع وجود مخطط هيكلي طموح لإنشاء ستين رصيف) منذ سنوات عديدة، وبالتحديد منذ عام 2016، فكم من الوقت مضى؟.
بشكل عام، بدأ الكويتيين العمل بالفعل مشروع ميناء مبارك الكبير منذ شهر نيسان / أبريل عام 2011، إنها فترة أكثر من كافية لإتمام العمل، لكن على أرض الواقع لم ينجز شئ يذكر.
لكن مهلا، العراقيين سبقوهم بعام، كان ذلك عام 2010، وهم حتى الآن لم ينتهوا من العمل، يبدو الأمر إذن أن كلا الدولتين يتحركان ببطء شديد حتى الآن، فهل تسرع واحدة منهما خطاها؟.
هل هناك فرصة للتعاون؟:
بالنظر إلى الخريطة من جديد، فإن هذا التقارب بين ميناء مبارك الكبير وميناء الفاو، وبقليل من التريث يجعل هناك فرصة للتكامل وليس التعاون فحسب.
إن هذا المكان يبدو واحدا، ويمكن تكامل العمل فيه، بل وتقسيمه.
يمكن تشبيه الأمر بالكعكة، والكعك يمكن تقسيمه على اثنين، لكن من المهم أن يكون لدي الطرفين نية للتعاون والعمل معا.. نية لا يبدو للأسف أنها متوافرة حتى الآن لا سياسيا ولا حتى شعبيا.
على الكويتيين والعراقيين معا أن يتناسوا آلام الماضي، ويتذكرون أن الكويت والعراق تاريخيا كانت تربطهما علاقات تجارية ضخمة، ولهم فيما حدث في أوروبا التي تقاتلت في حربين عالميتين ثم أنشأت الاتحاد الأوروبي خير مثال على البحث نحو المستقبل بدلا من البكاء على اللبن المسكوب.