مستشفى الشفاء .. أو بالتوصيف الأصح (مجمع الشفاء) الذي يضم 3 مستشفيات منفصلة، ويعتبر أهم مؤسسة طبية داخل قطاع غزة بالكامل.
طفل رضيع وصل إلي مستشفى الشفاء عقب تدمير منزل عائلته جراء غارة إسرائيلية شمال قطاع غزة، صورة من الصفحة الرسمية لمجمع الشفاء الطبي في غزة. |
تحول المستشفى إلى محور اهتمام العالم والصحافة من كل لغات الدنيا، بعد ما أقدم عليه جيش الاحتلال الإسرائيلي من هجوم ضده، مدعيا أن مقر قيادة كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس يقع تحته.
عن مستشفى الشفاء:
يقع مستشفى الشفاء في قطاع غزة، داخل مدينة غزة نفسها، وبالتحديد في شارع عز الدين القسام.
تاريخيا، يعد مستشفى الشفاء أحد الشهود على احتلال فلسطين واغتصاب أرضها، فقد تأسس حتى قبل قيام الكيان الإسرائيلي بعامين، وبالتحديد عام 1946 في مكان ثكنة عسكرية كانت تتبع قوات الاحتلال البريطاني المتواجدة بفلسطين في ذلك الوقت.
هذا المستشفى وبحسب (وزارة الصحة الفلسطينية) الذي يتبعها إداريا وتنظيميا، يعتبر أكبر مستشفى ومركز طبي في فلسطين بأكملها، وليس في قطاع غزة فقط، وقد تمت توسعته أكثر من مرة كانت أولها على يد السلطات المصرية التي أدارت القطاع لنحو عشرين عاما، وبالتحديد منذ نكبة فلسطين 1948 وهزيمة يونيو 1967.
في مستشفى الشفاء يعمل ما نسبته 25% من الأطقم الطبية العاملة في كامل قطاع غزة، وهو رقم آخر يجعلنا نفهم وبشدة أن مستشفى الشفاء يمثل القلب وربما القلب والعقل معا في الخدمات الصحية في غزة، فإذا انهار انهارت معه تماما.
بحسب أرقام ما قبل الحرب -والتي لابد أنها زادت بنسبة كبيرة بعدها- كان مجمع الشفاء الطبي يقدم خدماته لنحو 652 ألف هم سكان مدينة غزة، طبعا بالإضافة إلي من يأتون إليه من باقي مدن وبلدات القطاع المحاصر.
إمكانيات ضعيفة أصلا:
العارفين لوضع مستشفى الشفاء قبل الحرب أصلا يدركون أنه يعاني من قلة الإمكانيات حتى من قبل الحرب، وأنه بالرغم من كبر مساحته وطاقته الاستيعابية فإنه تنقصه الكثير من الإمكانيات.. ربما يكون وصف أنه (أفضل ما في اليد) هو الأنسب بالنسبة لوضعه.
لقد بدا هذا واضحا حتى فيما نشرته ((الأمم المتحدة)) عبر موقعها الإلكتروني في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، تحت عنوان: ((مستشفى الشفاء في غزة، كفاح يومي لإنقاذ الحياة في ظل تضاؤل الإمكانيات)).
مستشفى الشفاء في غزة، صورة قبل الحرب، من وسائل التواصل الاجتماعي. |
حيث وصفت الأمم المتحدة أن مستشفى الشفاء يواجه نقص حاد في الإمكانيات، ونتيجة لذلك تصبح مدة العلاج فيه أطول، وربما تكون أطول بسنوات من المعتاد في المستشفيات العادية.
كما أثبتت دراسة بعنوان ((واقع التخزين والتخلص من النفايات الطبية الخطرة في مجمع الشفاء الطبي في قطاع غزة)) من إعداد الباحثين "محمد كامل الأي و نظام محمود الأشقر" في سبتمبر 2019 أن المستشفى يعاني كذلك من عدم تواجد إمكانيات التخزين والتخلص من النفايات الطبية بشكل سليم.
فقط كانت (اللجنة الدولية للصليب الأحمر) قد قامت قبل اندلاع الحرب بنحو ثلاثة شهور بتحديث (قسم الطوارئ) في مستشفى الشفاء ما رفع من قدراته على تقديم الرعاية الصحية خلال الأزمات.
وضع كارثي:
الصورة في مستشفى الشفاء أقل ما يقال عنها أنها "كارثية" نحن أمام مأساة لا يمكن لجيش أي دولة في العالم أن يصنعها -باستثناء الجيش الإسرائيلي- ببساطة لأنه جيش محمي ومحصن من القانون الدولي، ولا يحاسبه أحد مهما فعل.
المستشفى تتم مهاجمته من الدبابات الإسرائيلية التي أصبحت في مواقع تمكنها من وضعه في مدى مدافعها، بعدما وصلت إلى مسافة لا تبعد إلا مئات الأمتار عنه.
هذا بالطبع بخلاف الهجمات التي تشن بين الحين والآخر من الجو.
هذه ليست المرة الأولى:
ولأن العالم يصاب بالصمم والعمى والخرس عندما يتعلق بهجمات واعتداءات جيش الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين، نحب أن نذكره لعله يتذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي يهاجم فيها جيش الاحتلال الإسرائيلي المستشفيات، وأن حجته واهية.
فنقرأ من ملف معلومات حمل رقم 22 تحت عنوان ((العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة : عملية العصف المأكول - عملية الجرف الصامد: 7 / 7 / 2014 : 26 / 8 / 2014))، والصادر عن "مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات" بيروت، لبنان، صفحة 95، شهادة الطبيب النرويجي غلبييرت فيقول:
الطبيب النرويجي البطل مادس غيلبرت، أحد من وثقوا للعالم كم الجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد قطاع غزة على مدار الحروب الماضية. |
"شاهدت أثناء عملي بمستشفي الشفاء أطفالا من دون رؤوس ومن دون أطراف أو أرجل .. إن المستشفيات استهدفها طيران الاحتلال، وقد فقدت مستشفيات قطاع غزة خمس قدراتها الاستيعابية".
لماذا يهاجم جيش الاحتلال الإسرائيلي مستشفى الشفاء؟:
ربما يمكننا أن نستنتج أن الهجوم الإسرائيلي على مستشفى الشفاء له هدفين رئيسيين.
الهدف الأول يحاول الإسرائيليين بشتي الطرق أن يصلوا إلى المستشفى، وحينها ستكون حجتهم -المفبركة- جاهزة وسيخرجوا يصيحون في العالم كله كما روجوا من أكاذيب عند هجوم طوفان الأقصى عن عمليات اغتصاب نساء وذبح أطفال.
سيخرجوا بصور ملفقة وربما يصنعوها هم، ويقولوا ها قد وجدنا مقرا للقسام تحت المستشفى، وحينها لن يكون هناك أي صوت يجرؤ على انتقاد إسرائيل حتى لو ضربت أي منطقة في غزة.
أما الهدف الثاني ببساطة.. يريد الإسرائيليين التخلص من مستشفى الشفاء .. إنها حرب إبادة واضحة تشن ضد الفلسطينيين.. ويمثل هذا المستشفى أملا للمصابين والجرحى في الحياة.
يمثل مستشفى الشفاء في ذهنية أهالي قطاع غزة المكان الأول الذي يفكرون في الذهاب إليه عندما يسقط لهم مصاب جراء قصف جوي أو مدفعي أو حتى من البحر، فغزة تضرب من كل مكان، وقد أثبت المستشفى طويلا أنه أفضل مكان للذهاب إليه فعلا بسبب قدرته الاستيعابية.
أيضا فإن آثار تدمير مستشفى الشفاء، أو أي مستشفى في قطاع غزة، ستستمر لما بعد الحرب، سيموت الناس لأنه لا يوجد من يعالجهم .. سيستمر عداد القتلى مفتوحا حتى بعد وقف إطلاق النار حتى لو حدث.
إنها جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية .. فهل من يحاسب في هذا العالم الحر الديمقراطي المليء بالحرية، المرهف الأحاسيس والمشاعر وذو القلب الحنون.