هو نبي اللَّهَ يحيى بن نبي اللَّهَ زكريا بن نبي اللَّهَ داود، وبهذا فهو نبي ابن نبي وحفيد نبي.
تصميم لأسم نبي اللَّهَ يحيى -عليه السلام-، Yethrosh، (CC BY-SA 4.0)، via wikimedia commons. |
وهو في الوقت نفسه ابن خالة نبي اللَّهَ عيسي -عليه السلام-، لأن أمه هي السيدة (أشياع بنت عمران) أخت السيدة (مريم بنت عمران)، فهو من آل بيت أعطاهم اللَّهَ النبوة.
من هو نبي اللَّهَ يحيى؟:
من الناحية التاريخية، يعتقد أن نبي اللَّهَ يحيى قد ولد في سنة غير محددة على وجه الدقة، وإن كان مولده جاء قبل ميلاد السيد المسيح -عليه السلام-، وعاش حتى السنة الثلاثين بعد ميلاد السيد المسيح -عليه السلام-، ما يجعله قد مات قبله.
ومن الناحية المكانية والجغرافية، يعتقد أنه عاش في منطقة (نهر الأردن).
أما نبوته فقد كانت في بني إسرائيل.
ويعد نبي اللَّهَ يحيى هو النبي الذي حظى بالحب والاحترام والتقدير من بين أتباع الديانات الإلهية الثلاثة (الإسلام، المسيحية، اليهود)، في حالة قلما تقع، بل امتدت تلك الحالة حتى بعض الديانات الوضعية مثل (الدرزية، البهائية، المندائية).
بين نبي اللَّهَ يحيى .. ويوحنا المعمدان:
نشير هنا إلى نقطة مهمة للغاية، والتي تتعلق باسم نبي اللَّهَ يحيى.
ففي الإسلام -وهذه التسمية التي سنعتمدها- اسمه (نبي اللَّهَ يحيى).
أما في المسيحية فهو (يوحنا المعمدان)، ويصنفه بعض علماء اللاهوت المسيحي بأنه أهم شخصية في الأناجيل بعد المسيح -عليه السلام-.
معجزة ميلاد نبي اللَّهَ يحيى:
تصميم لأسم نبي اللَّهَ زكريا -عليه السلام-، Yethrosh، (CC BY-SA 4.0)، via wikimedia commons. |
بدأت المعجزات ترتبط بنبي اللَّهَ يحيى حتى قبل مولده، وذلك كان واضحا في مولده.
يقص علينا القرآن الكريم، أن نبي اللَّهَ زكريا كان قد طعن في السن، وكانت زوجته أيضا قد أصبحت سيدة عجوز، وهي فوق ذلك كانت (عاقر) أي لا تنجب حتى في شبابها.
تجمعت كل تلك الأسباب ليكون من المستحيل أن ينجب هذين الزوجين، ويبدو أن نبي اللَّهَ زكريا كان قد توقف أصلا عن التفكير في الإنجاب لولا حدث معين أعاد له الرغبة في أن يكون له ولد.
كان ذلك الموقف الذي كان بمثابة الدافع الذي حرك به تلك الرغبة من جديد، وهو دخوله المحراب للسيدة مريم -عليها السلام- من أجل أن يطمئن عليها، إذ كانت في كفالته، فيجد عندها رزق من اللَّهَ، فتمني لو أن يكون عنده من الولد الصالح مثلها.
يقول تعالى في سورة ((آل عمران)):
((هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ۖ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38) فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ (39) قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ ۖ قَالَ كَذَٰلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40) قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً ۖ قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا ۗ وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (41)).
ويقول عز وجل في سورة ((مريم)):
((كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا (7)).
وهكذا، يدعو زكريا -عليه السلام- ربه بعدما رأي فاكهة الشتاء تأتي في الصيف، وفاكهة الصيف تأتي في الشتاء، وكل ذلك بدون طلب أو سعي من السيدة مريم -عليها السلام-.
وهكذا يستجيب اللَّهَ عز وجل لدعاء نبيه زكريا، ويهبه ولد.
نبي اللَّهَ يحيى في القرآن الكريم:
ورد اسم النبي (يحيى) عليه السلام في القرآن الكريم ستَّ مرات، وجاء ذكره في أربع سور قرآنية: آل عمران، الأنعام، مريم، الأنبياء، sayyed shahab-o- din vajedi، (CC BY 4.0)، via wikimedia commons. |
كما ونجد في القرآن الكريم كذلك آيات أخرى عن نبي اللَّهَ يحيى -عليه السلام-، ومنها قوله تعالى في الآيات من سورة مريم:
((يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً ۖ وَكَانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا (14) وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15)).
من الآيات القرآنية السابقة، يمكن أن نحدد الصفات التي أخبرنا بها اللَّهَ -عز جل- في كتابه الحكيم عن نبيه يحيى -عليه السلام-، فهو:
- نبي، وقد جاءت نبوته كبشرى لوالده حتى قبل مولده.
- سيدا، أي سيسود قومه.
- لم يسمي بهذا الاسم (يحيى) أحدا من قبله.
- أعطاه اللَّهَ الحكم بين الناس منذ صباه.
- أن الحنان كان من لدن اللَّهَ -سبحانه وتعالى- وليس من والديه، ولنا أن نتصور ذلك أو نحاول حتى أن نتصور معني أن يكون الحنان من الحنان المنان الرحمن الرحيم على قلب عبد من عباده.
- كان بارا بوالديه.
وغيرها من الصفات والخصال الحميدة، وهكذا ينشأ يحيى -عليه السلام- منذ صباه يحكم بين الناس بحكم اللَّهَ المنزل في التوراة.
نبي اللَّهَ يحيى -عليه السلام- في السنة:
ورد في حديث رواه الطبراني في الكبير والبزار، قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا ينبغي لأحد أن يقول: أنا خير من يحيى بن زكريا, قلنا: يا رسول الله! ومن أين ذاك؟ قال: أما سمعتم الله كيف وصفه في القرآن, فقال: {يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا} (مريم:12), فقرأ حتى بلغ: {وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين} (آل عمران:39)، لم يعمل سيئة قط، ولم يهم بها)).
هل تزوج نبي اللَّهَ يحيى؟:
فيما جاء ذكره من صفات لنبي اللَّهَ يحيى -عليه السلام- في القرآن الكريم، وصف ((حصورا)).
وتعني أنه منع نفسه بإرادته، وزهدا فيهن عن النساء، وذلك ليتفرغ لأمور الدين ولعبادة اللَّهَ عز وجل ونبوته التي أرسله بها للناس.
وهكذا، عاش نبي اللَّهَ يحيى -عليه السلام- دون زواج، مع قدرته عليه، لكنه اختار التبتل.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن التبتل كان جائزا في شريعته، ولكن سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هي الزواج، فلا يجوز لمسلم أن يمتنع عن الزواج ويقول أنا اقتدي بنبي اللَّهَ يحيى، إذ تم نسخ شريعته فلم يعد معمولا بها بعد بعثة النبي صلى اللّه عليه وسلم.
وقد قال بعض المفسرين في تفسير كلمة (حصورا) أنه كان معصوما من الذنوب، وهو نفس المعني الذي ورد في حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عنه.
كيف مات نبي اللَّهَ يحيى؟:
بدأت القصة المحزنة والدموية لمقتل نبي اللَّهَ يحيى -عليه السلام- عندما وقع الخلاف بينه وبين ملك ظالم (بحسب الموسوعة البريطانية هو هيرودس أنتيباس ، حاكم الجليل ووسط شرق الأردن).
قام هيرودس بسجن نبي اللَّهَ يحيى، وللمفارقة لم يكن ذلك بسبب ما قد تتوقعونه للوهلة الأولى من أن هذا نبي، وذاك ملك ظالم، بل بسبب زواج باطل.
فهيرودس كان قد تزوج بشكل مخالف للشريعة اليهودية بامرأة تدعي (هيرودياس)، والتي كانت زوجة لأخيه غير الشقيق، في حين تقول مصادر أخرى أنها كانت ابنة أخيه.
كان ذلك الزواج بعدما طلق هيرودس زوجته الأولى والتي كانت ابنة للملك (أريتاس الرابع) ملك الأنباط، وهو شعب عربي جاور اليهود في تلك الفترة.
عارض نبي اللَّهَ يحيى -عليه السلام- هذا الزواج، وكانت تلك المعارضة خطرا حقيقيا على الملك هيرودس بسبب مكانة من يعارضه، وأيضا خشية من أن ينضم اليهود من رعاياه للأنباط الغاضبين من طلاق ابنة ملكهم.
وفي النهاية، يأمر هيرودس بقتل نبي اللَّهَ يحيى -عليه السلام-.
سيتحارب هيرودس مع والد زوجته السابقة (أريتاس الرابع) خلال عامي 35 - 36 للميلاد، وستنتهي الحرب بانتصار ملك الأنباط، فيما سينظر إليه على الدوام بأنه انتقامًا إلهيًا لقتل نبي اللَّهَ يحيى -عليه السلام-.
وفي التراث الإسلامي، يوجد ما يذكر عن واقعة قتل نبي اللَّهَ يحيى -عليه السلام-، ومنه ما رواه عبد الله بن الزبير قال: (قتل يحيى بن زكريا في زانية كانت جارية) رواه الحاكم موقوفاً، وصححه، ووافقه الذهبي.
وقد ذكر ابن كثير في البداية والنهاية تفصيل هذا الخبر، فذكر أن بعض ملوك ذلك الزمان بدمشق كان يريد أن يتزوج ببعض محارمه، أو من لا يحل له تزويجها، فنهاه يحيى عن ذلك، فبقي في نفسها منه، فلما كان بينها وبين الملك ما يحب منها، استوهبت منه دم يحيى، فوهبه لها فبعثت إليه من قتله.
ويعتقد أن المؤمنين قد استطاعوا استعادة جسد نبي اللَّهَ يحيى -عليه السلام-، ودفنوه في السامرة بالقرب من "عينون لسالم"، فيما يقول رأي آخر أنه مدفون حاليا في ضريح بالعاصمة السورية دمشق.