زكاة الفطر، واحدة من أهم وأعظم الأمور المرتبطة بفريضة صيام شهر رمضان، وهي بدورها فريضة يجب إخراجها في موعدها، وليست سنة، ولا يمكن تركها.
زكاة الفطر هي رحمة من رحمات اللَّهَ على عبادة جميعا، من يخرجها فيطهر بها صومه، ومن يستحقها فتعينه على حاجاته. |
حديثنا اليوم عن زكاة الفطر، ما هي تلك الزكاة، وهل يجوز إخراجها نقدا؟ .. وما مقدارها؟ .. في تقرير شامل نسأل اللَّهَ العلى العظيم أن ينفع به.
ما هي زكاة الفطر:
الزكاة في اللغة هي النماء والزيادة والصلاح وصفوة الشئ، وما أخرجته من مالك لتطهره به.
والفطر، اسم مصدر من قولك: أفطر الصائم إفطارا.
وأضيفت الزكاة إلي الفطر لأنه سبب وجوبها، وقيل لها (فطرة)، كأنها من الفطرة التي خلق الله الناس عليها.
قال الإمام النووي: يقال للمخرج (فطرة)، والفطرة بكسر الفاء لا غير، وهي لفظة مولدة، لا عربية ولا معربة، بل اصطلاحية للفقهاء، فتكون حقيقة شرعية على المختار، كالصلاة والزكاة.
وزكاة الفطر في الاصطلاح هي: ((صدقة تجب بالفطر من رمضان)).
إذن فزكاة الفطر (تسمي كذلك زكاة الأبدان)، هي فريضة على المسلمين واجبة، وذلك بما ثبت عن رسول اللّه صلى اللَّهُ عليه وسلم أنه قد بين أنها فريضة على المسلمين (رجالا ونساء وأطفال وشيوخ)، حتى من لا يجب عليه صيام رمضان.
بل إن الطفل الذي يولد قبل وقت صلاة العيد، يجب إخراج زكاة الفطر عنه بحسب بعض الآراء الفقهية.
يعد الأرز قوت أهل الكثير من البلاد العربية والإسلامية، لذا فهو أحد أشهر ما تخرج زكاة الفطر به. |
إذن فإن الأصل في زكاة الفطر أن تخرج في صورة صاع من تمر أو شعير أو زبيب أو بر (وهو القمح) أو غالب قوت أهل البلد.
على سبيل المثال غالب قوت أهل مصر والسعودية والإمارات هو الأرز، وفي الكويت غالب القوت هو الأرز أو اللحم أو الحليب، وفي قطر الأرز أو الخبز، فينظر المسلم في غالب قوت أهل البلد الذي يعيش فيه، ويمكنه إخراج زكاة الفطر منه.
هذا ويساوي الصاع بالأوزان الحالية بما يقدر باثنين كيلو وربع، وترفعه بعض الآراء إلي اثنين كيلو ونصف، وهو الرأي الأحوط، والذي نوصي بالعمل به، فأن تخرج الزكاة زائدة بعض الشيء... أفضل كثيرا من أن تنقص عن نصابها الشرعي الصحيح.
مع العلم أن هذه القيمة يمكن الزيادة عليها لمن يشاء ويرغب في مضاعفة ثوابه وأجره، لكن بنفس النية أنها لزكاة عيد الفطر.
مقدار زكاة الفطر:
تكون زكاة الفطر صاعا من التمر أو صاعا من الشعير ((الصاع اثنين كيلو ونصف)).
وذلك لما رواه عبد اللَّهُ بن عمر -رضي اللَّهُ عنهما- عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم، قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) رواه الشيخان البخاري ومسلم.
وهذه القيمة عن الشخص الواحد، فكلما زاد شخص جديد، تزاد نفس القيمة.
شروط زكاة الفطر:
تعد زكاة الفطر واجبة على القطاع الأوسع من المسلمين في كل زمان ومكان. |
شروط زكاة الفطر شروط بسيطة للغاية، وهي تتحقق في الغالبية الساحقة من المسلمين، بل وحتى الفقراء منهم، وهي:
- أن يكون لدي الشخص ما يكفي لقوته وقوت عياله ليوم وليلة العيد فقط، ويفيض عليها مقدار صاع، وهذا الشرط متحقق في الجميع تقريبا، فحتى الفقراء في أيامنا هذه، يمتلكون طعاما يكفيهم ليوم وليلة.
- النية: تحتاج زكاة الفطر إلي النية.
- إخراجها في وقتها.
كيف يتم إخراج زكاة الفطر؟:
طريقة إخراج زكاة الفطر تختلف بإختلاف حال من تجب عليه.
إذ يقوم المسلم بإخراج زكاة الفطر عن نفسه، ويخرجها أيضا عن زوجته إن كان متزوجا.
كما يخرجها المسلم عن أبناءه إن كان له أولاد يعيشون معه وينفق عليهم، فإن كانوا متزوجين ولهم بيوتهم فيدفعون هم زكاة الفطر عن أنفسهم وزوجاتهم وأولادهم.
هذا ويجوز بالاستئذان أن يخرج الشخص زكاة الفطر عن والديه أو أحدهما كنوع من البر بهما.
وينبه العلماء هنا أنه يجب على من يدفع زكاة الفطر عن شخص آخر أن يخبره فيقول: (تلزمك زكاة فطر وأنا سأخرج عنك.. فهل ترضي بهذا؟)، وذلك حتى تتوافر (النية) هنا، وإلا لن يعتبر هذا المبلغ زكاة فطر، وإنما صدقة عادية.
كما ويجوز أن يوكل أحد الأشخاص لإخراج زكاة الفطر عن شخص أو مجموعة أشخاص آخرين.
وإن كان الأصل أن يحرص الشخص على إخراجها بنفسه ويبذل وسعه في ذلك، وأن يبحث عن ما إن كان من بين أقاربه أو جيرانه من يستحقها.
فإن فعل المسلم ذلك ولم يجد مستحقا، فلا حرج عليه في توكيل غيره سواء كان شخص أو مؤسسة أو جمعية خيرية.
هل يجوز إخراج زكاة الفطر نقدا؟:
بحسب رأي العديد من العلماء المعتبرين، يجوز إخراج زكاة الفطر نقدا. |
أصبح من الثابت في رمضان من كل عام، الاستماع إلى السؤال المتكرر ((هل يجوز إخراج زكاة الفطر نقدا؟)).
وقد أفتى الكثير من جمهور العلماء المعاصرين بجواز إخراج زكاة الفطر في صورة مال ونقود تيسيرا على من يخرج الزكاة.
وكذلك فإن اخراجها مالا فيه تيسير على مستحقيها، بدلا من تجمع الأرز أو الدقيق في بيوتهم بما يزيد عن حاجتهم، فيضطرون لبيعه لإكمال ما ينقصهم من ضروريات أخرى، وقد يقوم البعض من ضعاف النفوس بشراءه منهم بأثمان بخسة أقل من سعرها في السوق، لذا يكون من الأفضل عند أصحاب هذا الرأي أن تدفع لهم زكاة الفطر مالا نقدا منذ البداية.
وهذا هو رأي (بيت الزكاة) في دولة الكويت.
وهو أيضا رأي دار الإفتاء المصرية.
كما ذهبت إليه دار الإفتاء الليبية، بقولها أنه قد جوز بعض أهل العلم إخراج زكاة الفطر نقدا، عندما تكون هناك مصلحة للفقير، وهم ممن يقتدي بهم من أئمة الهدى من أعلام الأمة، منهم عمر بن عبد العزيز، وأبو حنيفة، والبخاري، وابن تيمية، رحمهم الله جميعا، وهو أيضا قول متأخري المالكية.
كما أجاز (مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي) إخراج زكاة الفطر نقدا، وذلك استنادا على الأدلة الشرعية التالية:
فتوى مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي بجواز إخراج زكاة الفطر نقدا. |
- أولا: قول معاذ -رضي الله عنه- لأهل اليمن: ((ائتوني بعرض ثياب خميص -أو لبيس- في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخير لأصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم بالمدينة)).
وقد فعل ذلك معاذ -رضي الله عنه-، وعلمه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأقره، لذلك فهذا الحديث يعتبر بمثابة المرفوع لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.
- ثانيا: قول أبي إسحاق السبيعي، وهو أحد أئمة التابعين: ((أدركتهم وهم يؤدون في صدقة رمضان، الدراهم بقيمة الطعام)).
- ثالثا: ما روي أن وكيع عن قرة بن خالد السدوسي قال: ((جاءنا كتاب عمر بن عبد العزيز في صدقة الفطر نصف صاع عن كل إنسان أو قيمته، نصف درهم)).
الحكمة من زكاة الفطر:
الحكمة من زكاة الفطر أن تعوض وتجبر أي خطأ بسيط قد يكون المسلم أو مسلمة فعله أثناء الصيام، فيطهر الصيام منه، فيتقبله ﷲ -عز وجل- خالصا بلا شوائب بإذنه.
حكمة مشروعية زكاة الفطر هي:
- الرفق بالفقراء بإغنائهم عن السؤال في يوم العيد، وإدخال السرور عليهم في يوم يسر فيه المسلمون بقدوم العيد عليهم، فتكون هذه الزكاة أيضا لها بعدا اجتماعيا ونفسيا هاما.
- تطهير من وجبت عليه بعد شهر الصوم من اللغو والرفث، إذ روي أبو داود عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: ((فرض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم زكاة الفطر، طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات)).
والرفث في الحديث يعني الكلام السئ.
وقت زكاة الفطر:
الثابت يقينا في مسألة وقت زكاة الفطر أنها تكون قبل خروج الناس لإداء صلاة عيد الفطر.
لكن هناك خلاف فقهي حول ((الوقت المحدد)) الذي يجب على المسلم أن يخرج فيه زكاة الفطر.
وهناك ثلاثة أراء حول ذلك، اثنان منهما من الفقه القديم، والرأي الثالث جاء نتيجة لاجتهادات علماء معاصرين.
- الرأي الأول: هو رأي الشافعية على الأصح، والحنابلة، وأحد قولين للمالكية، كما قال به بعض السلف، والإمام ابن عثيمين - رحمه اللَّهُ-.
ويري أصحاب هذا الرأي أن وقت زكاة الفطر يجب بغروب شمس آخر يوم من رمضان، ممتدا حتى خروج الناس لصلاة العيد.
تقدر زكاة الفطر بما قيمته صاع من غالب قوت أهل البلد. |
- الرأي الثاني: هو رأي ومذهب الحنفية، والظاهرية، وأحد القولين عند المالكية، وقول الشافعي القديم، ورأي الإمام ابن المنذر، وإمام أهل مصر الليث بن سعد.
ويري أصحاب هذا الرأي، أن وقت زكاة الفطر يكون من طلوع فجر يوم عيد الفطر، ويمتد إلى خروج الناس لصلاة العيد.
- الرأي الثالث: هو رأي عدد من العلماء المعاصرين بأنه يجوز إخراج زكاة الفطر خلال اليومين الأخيرين من شهر رمضان المبارك.
نسيان إخراج زكاة الفطر:
زكاة الفطر 2023:
هذا ويمكنكم الإطلاع على قيمة زكاة الفطر في عدد من الدول العربية، من خلال هذه التقارير:
- زكاة الفطر في السعودية لشهر رمضان عام 2023 م / 1444 ه.
- زكاة الفطر في دولة الإمارات لشهر رمضان عام 2023 م / 1444 ه.
- مقدار زكاة الفطر في الكويت 2023 / 1444.
- مقدار زكاة الفطر في قطر 2023 / 1444 .. وطريقة دفعها عبر الرسائل النصية لصندوق الزكاة.
- زكاة الفطر في البحرين لشهر رمضان عام 2023 م / 1444 ه.
وفي النهاية، تقبل اللَّهَ منا ومنكم الصلاة والصيام وزكاة الفطر وصالح الأعمال.. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.