في كل لحظة، في كل مكان وعلى امتداد كوكبنا، يصرف الناس المضادات الحيوية Antibiotics، التي ربما تعد أكثر أنواع الأدوية استخداما في علاج طائفة واسعة من الأمراض.
عبوة مضاد حيوي، MPCA Photos، (CC BY-NC 2.0)، via Flickr. |
فالمضادات الحيوية (باللغة الإنجليزية: Antibiotics) هي أدوية تستخدم لمعالجة حالات العدوى البكتيرية، والتي من أشهرها: (معظم الالتهابات التي تصيب الأذن، بعض التهابات الجيوب الأنفية، بعض التهابات المسالك البولية، مرض الكوليرا، السيلان، الطاعون، التيفوئيد، الزهري، حب الشباب ... إلخ).
المضادات الحيوية ضد البكتيريا:
كانت البشرية على موعد مع أحد أهم محطاتها في العام ١٩٢٨، عندما توصل السير ألكسندر فلمنج، العالم الاسكتلندي، إلى (البنسلين) أول مضاد حيوي طبيعي.
فالمضادات الحيوية والتي تعرف أيضا باسم مضادات البكتيريا (باللغة الإنجليزية: antibacterials)، أثبتت وبسرعة أنها تقوم بدور هام ضد المكروبات والبكتيريا، إذ تعمل إما على مهاجمتها والقضاء عليها عن طريق منعها من تكوين جدار أو مكونات الخلية.
أو الطريقة الثانية وهي منعها من التكاثر بمنع عمل البروتينات المسؤولة عن ذلك داخل البكتيريا، أو منع تصنيع الحمض النووي للبكتيريا.
يمثل ذلك الدور (قتل البكتيريا أو منعها من التكاثر)، دعما هاما للجهاز المناعي للجسم البشري، وهكذا تعمل المناعة البشرية مع المضادات الحيوية معا، للقضاء التام على البكتيريا، فيستعيد الإنسان عافيته.
ويحدد الأطباء المضاد الحيوي المناسب لكل بكتيريا بشكل مستقل، ذلك لأن كل مضاد حيوي يناسب بكتيريا معينة، ولا يمتد ليشمل بقية الأنواع، لذا قد يطلب الطبيب من المريض إجراء تحاليل معينة ليحدد نوع المضاد الحيوي المناسب للبكتيريا التي أصابته.
وبخلاف الإنسان، وجدت المضادات الحيوية Antibiotics لنفسها أيضا دورا هاما في الطب البيطري وعلاج البكتيريا التي تصيب الحيوانات.
أما البكتيريا (باللغة الإنجليزية: bacteria)، والتي يطلق عليها أيضا اسم (الجراثيم)، فتعد واحدة من أقدم صور الحياة على كوكب الأرض، وتتواجد بآلاف الأنواع التي تعيش في مختلف البيئات من التربة وحتى مياه البحر.
البكتيريا تنقسم إلى نوعين، الأول، بكتيريا نافعة لا تضر الإنسان ولا صحته، وتتواجد في أنحاء مختلفة من الجسم مثل الجلد والفم والمسالك الهوائية والتناسلية، بل إن بعض أنواع هذه البكتيريا تفيد الإنسان في هضم الطعام وتحميه من نمو بعض أنواع البكتيريا الضارة، كما أنها تحسن صحة الجلد.
النوع الثاني هو البكتيريا الضارة، وهذه بالتحديد ما بذل العلماء والأطباء جهودهم على مدار آلاف السنين للتوصل للعلاجات المناسبة لها، حتى وصلنا إلى المضادات الحيوية Antibiotics.
ويعتبر النوع الثاني (البكتيريا الضارة) أو البكتيريا المسببة للأمراض أقل عددا من النوع الأول.
وتسبب البكتيريا الضارة الأمراض بواحدة من ثلاثة طرق، (الأولى إفراز مواد تضر الجسم، الثانية غزو أنسجة الجسم، الثالثة التسبب في حدوث التهابات في بعض أجزاء الجسم مثل القلب أو الجهاز العصبى أو الكلى)، كما يمكن لبعض أنواع البكتيريا أن ترفع من خطر الإصابة ببعض أنواع السرطان.
طرق أخذ المضاد الحيوي:
تتنوع الصور التي يمكن أن يأخذ المريض المضاد الحيوي من خلال واحدة منها، ويتم تحديد الطريقة المناسبة بواسطة الطبيب، حسب نوع المرض أو الإصابة، وهذه الصور هي:
- عن طريق الفم: Orally، ويمكن أن يأتي المضاد الحيوي في صورة حبوب أو كبسولات أو دواء شرب.
- موضعي: Topically، ويكون في هذه الحالة إما في صورة كريم أو مرهم أو رذاذ، كما توجد أنواع من المضادات الحيوية تأتي في صورة مرهم للعين أو قطرة للعين، وكذلك قطرة للأذن.
- عن طريق الحقن أو الوريد: injection or intravenously، وعادة ما تستخدم هذه الطريقة للعدوى البكتيرية الخطيرة.
قد يحدث أحيانا بعض الأعراض الجانبية لتناول المضادات الحيوية، ومنها على سبيل المثال: (ألم المعدة، الإسهال، طفح جلدي) أو عَدوى الخمائر المهبليَّة التي تصيب النساء.
مقاومة المضادات الحيوية:
تيراميسين، هو أحد أشهر أنواع المضادات الحيوية في العالم، من إنتاج شركة فايزر، unknown، Science Museum, London، (CC BY 4.0)، via look and learn. |
أصبحت المضادات الحيوية ونتيجة للاستعمال الخاطئ لها لسنوات متعاقبة، أصبحت في يومنا هذا تواجه تحديا خطيرا اسمه (مقاومة المضادات الحيوية).
في غضون السنوات الماضية، أصبحت ظاهرة مقاومة المضادات الحيوية (باللغة الإنجليزية: Antimicrobial resistance (AMR))، والتي تعني قدرة البكتيريا على مقاومة تأثير المضادات الحيوية عليها، واحدة من أهم القضايا بل والمشكلات التي تشغل الأطباء والصيادلة على مستوى العالم.
كما ظهر أيضا مصطلح (مقاومة مضادات الميكروبات) للدلالة على الميكروبات التي أصبحت هي أيضا مقاومة للأدوية المستخدمة ضدها.
كان ذلك نتيجة طبيعية للإفراط في إعطاء المضادات الحيوية للكثير من المرضى حتى وهم لا يحتاجون إليها وتستطيع أجسامهم التعامل مع البكتيريا بفضل جهاز المناعة الذي أبدعه الخلاق العليم.
الأكثر من هذا، أن المضادات الحيوية أصبحت تصرف حتى لمن لا تناسبهم ولا تعمل أصلا ضد المرض الذي يعانون منه، بل إنها وفي بعض الأحيان يمكن أن تكون ضارة.
ربما جميع من يقرأ هذا التقرير، سبق له أن حصل على مضاد حيوي عندما كان مصابا بالتهاب في الحلق أو سعال مستمر أو بالإنفلونزا أو بنزلة برد، الغريب هنا أن المضادات الحيوية لا تعمل أصلا ضد هذه الأمراض.
فهذه الأمراض يتسبب فيها (الفيروسات) وليس البكتيريا، والمضادات الحيوية لا تقتل الفيروسات، لذا فإن الإجراء الطبيعي هنا أن لا تأخذ دواء لن يفيدك في التعامل مع سبب مرضك، لكن العكس هو ما يحدث للأسف الشديد.
بجانب كل ما سبق فإن هناك عوامل طبية أخرى يجب الإنتباه إليها عند تناول المضادات الحيوية، وتتمثل هذه العوامل فيما يلي:
مضاد حيوي "أموكسي"، يعد من أشهر المضادات الحيوية المضادة للالتهابات، Sheep purple، (CC BY 2.0)، via Flickr. |
- إذا كان المريض يتناول أدوية أخرى، فسيلزم في هذه الحالة تعديل الجرعة، أو وضع فاصل زمني مناسب بين الأدوية.
- أن يكون لدي المريض حساسية من المضاد الحيوي.
- أن يكون المريض مصاب بمرض مزمن.
- عمر المريض قد يمنع إعطاء بعض أنواع المضادات الحيوية.
- يتم تقليل جرعات بعض أنواع المضاد الحيوي لمرضى القصور الكلوي.
هذا، وقد توصلت العديد من الدراسات والأبحاث الطبية، إلى أن الإفراط في تناول المضادات الحيوية لا يتوقف ضرره عند حدود مقاومة المضادات الحيوية، بل إنه قد يؤدي لإصابة الشخص المفرط في تناولها بأمراض خطيرة مثل الفشل الكلوي.
خطر عدم فاعلية المضادات الحيوية:
إذن، ينتج عن ذلك احتمال يكون مجرد التفكير فيه، أمرا مرعب، ببساطة ستفقد المضادات الحيوية قدرتها على قتل البكتيريا، وتتحول الكثير من الأمراض التي نتعامل معها حاليا ببساطة لأن المضادات الحيوية موجودة وتحاربها، ستتحول إلى (أمراض فتاكة). إنه ذات الوصف الذي وصفت به منظمة أطباء بلا حدود، احتمالية فقدان المضادات الحيوية فعاليتها.
لقد أصبحت البكتيريا أكثر ذكاءً بمرور الوقت، وبدأت في تطوير دفاعاتها ضد المضادات الحيوية، ويقول الأطباء أن هذا يحدث بصورة طبيعية، لكن المشكلة تفاقمت وبسرعة بسبب إساءة استخدام المضادات الحيوية.
نصيحة طبية مهمة: إذا بدأت تناول مضاد حيوي لعلاج مرض ما، فمن الضروري أن تكمل جرعتك كاملة وبانتظام في المواعيد حتى ولو بدأت تشعر بتحسن، إن عدم إكمالك لجرعة المضاد الحيوي سيفقدك أنت كشخص تأثيره على المرض إذا أصابك مرة أخرى.
وقد يكون صادما، لكنه حقيقي، أن بعض أنواع البكتيريا قد أصبحت بالفعل (مقاومة للمضادات الحيوية)، بل وتنقل خصائص مقاومة المضادات الحيوية إلى أنواع أخرى من البكتيريا فتكسبها هي أيضا ذات القدرة على المقاومة، وكأنهم عائلة واحدة يسدي بعضهم إلى بعض النصائح.
وتوصف سلالة البكتيريا بأنها مقاومة للمضادات الحيوية، عندما يفشل أحد أنواع المضادات الحيوية في القضاء عليها بعدما كان يستخدم في علاجها فيما مضى.
لذا تذكر جيدا أنه حتى وبالنسبة لك أنت كشخص، فإن تناولك للمضادات الحيوية في الوقت الذي لا تحتاجها فيه، قد يؤدي لعدم فاعليتها بالنسبة لك في المستقبل، في وقت قد تكون في أمس الحاجة إليها.
ومما قد يكون مهما بالنسبة لجميع الرجال على وجه الخصوص، أن نذكر في هذا الصدد أن تناول بعض أنواع المضادات الحيوية بكثرة قد يسبب لهم الاصابة بالتثدي (كبر حجم الثدي عند الرجال).
إجراءات لابد من اتخاذها:
في هذا الصدد، هناك عدد من الإجراءات لابد للعالم كله أن يتحد من أجل اتخاذها بدون تسامح أو تساهل.
إن الحفاظ على المضادات الحيوية كأحد أهم أسلحة الطب هو أمر لا مجال للاستهانة به، وإلا سيعود هذا العالم الذي يتباهي بتقدمه التكنولوجي، سيعود إلى عصر الأوبئة التي كانت تحصد الناس حصدا في العصور الوسطى، مع ما يصاحب ذلك من آثار جانبية من أهمها ارتفاع فاتورة الرعاية الصحية للأفراد والدول، واكتظاظ المستشفيات بالمرضى.
ومن ضمن أهم الإجراءات لمنع الوصول لحالة (مقاومة المضادات الحيوية):
- حظر صرف المضادات الحيوية بدون إذن من الطبيب المعالج، تمام كما هو الحال مع (الترامادول) على سبيل المثال، وقد بدأت بعض الدول في تطبيق ذلك بالفعل، في حين لا تزال دول أخرى يستطيع المواطن فيها شراء المضادات الحيوية كما يستطيع شراء الخبز أو زجاجة عصير إذ يقرر أنه يحتاج لمضاد حيوي فيذهب لشراءه وتناوله وانتهي الأمر على ذلك.
- قيام نقابات الصيادلة بتكليف الصيادلة بتوعية المرضي بخطورة تناول المضادات الحيوية بشكل مفرط أو بدون داعي.
- إجراء المزيد من الأبحاث العلمية التي تحاول فهم آليات مقاومة المضادات الحيوية التي تبديها البكتيريا، ما سيساعد الأطباء على تنظيم استخدامهم للمضادات الحيوية بصورة أكبر.
- التنبيه على الأطباء بضرورة التبليغ الفوري إذا ما تكررت ملاحظاتهم عن إبداء أحد أنواع البكتيريا مقاومة لمضاد حيوي كان يستخدم في علاجه من قبل.
وفي النهاية، يمكنك عزيزي القارئ أن تكون جزءا من هذه الجهود بأن تترك جسمك يقاوم الإصابات البكتيرية الخفيفة دون أن تلجأ لاستخدام المضادات الحيوية، وتذكر أنه يمكنك دوما أن تسأل طبيبك إذا كان من الممكن أن لا يتضمن علاجك مضادا حيويا.