ناقوس الخطر يدق في كل مكان، والكثيرون يحذرون وينبهون من "الاحتباس الحراري" أو "الاحترار العالمي".
الاحتباس الحراري أو الاحترار العالمي، ظاهرة طبيعية مفيدة لاستمرار الحياة على الأرض، قلبها البشر إلى كارثة عظمى، Roberto Rizzato، (CC BY-NC 2.0)، via Flickr. |
تقول الأمم المتحدة أنه ومنذ القرن التاسع عشر أصبحت أنشطة الإنسان هي السبب الرئيسي في تغير المناخ وحدوث الاحتباس الحراري بشكل مفرط، وأن السبب الرئيسي وراء ذلك هو حرق الوقود الأحفوري (الفحم والنفط والغاز).
إذن فإن الاحتباس الحراري يعني أن كوكبنا "الأرض" آخذ في الاحترار، وبسرعة.
ما هو الاحتباس الحراري:
لكن السؤال هنا ما هو الاحتباس الحراري بالضبط؟ .. ما المقصود بهذا المصطلح بالتحديد ولماذا هو خطير؟.
بدون تعقيدات علمية، وببساطة، فظاهرة الاحتباس الحراري، هي ظاهرة طبيعية في الأصل، تنتج عن احتفاظ الغلاف الجوي للأرض بجزء من طاقة الشمس (تقريبا الثلث).
الاحتباس الحراري الطبيعي وعلى عكس ما قد يظن الكثيرون له فائدة كبيرة للغاية، بل إن حياتنا على الأرض قد لا تستمر بدونه.
ذلك لأن متوسط درجة حرارة الأرض هو (١٤) درجة مئوية، وهو متوسط ممتاز لنواصل حياتنا على الكوكب، لكن بدون الاحتباس الحراري بصورته الطبيعية، ستنخفض درجة حرارة الأرض إلى (-١٩) تسعة عشر درجة مئوية تحت الصفر، وهي درجة يهلك معها معظم البشر والحيوانات والزروع.
لذا فالاحتباس الحراري بصورته الطبيعية والذي تساهم فيه أربعة غازات هي (بخار الماء ، ثاني أكسيد الكربون ، الميثان، النيتروجين)، عملية طبيعية مهمة لاستمرار الحياة على الأرض.
إذن فما هي المشكلة؟..
المشكلة أنه ونتيجة للأنشطة البشرية، تتصاعد غازات تزيد من نسبة الاحتباس الحراري والتي تسمي أيضا بالاحترار العالمي، وتقلبه إلى ظاهرة ضارة، بل وشديدة الضرر، عبر رفع درجة حرارة الغلاف الجوي والمحيطات والأرض.
غازات الاحتباس الحراري:
من أهم أمثلة تلك الغازات المسؤولة بشكل رئيسي عن الاحتباس الحراري: "الكربون المهلجن، الكلور، البرومين، أكسيد النيتروس".
ولكي نتخيل حجم الكارثة، فوفقا لناشيونال جيوغرافيك ووكالة الفضاء الأمريكية ناسا، فإن مستويات الغازات المسببة للاحتباس الحراري أعلى من أي وقت مضى خلال ٨٠٠ ألف سنة الماضية.
وبحسب المديرية العامة للعمل المناخي في الاتحاد الأوروبي، فإن نسبة غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، قد زادت بنسبة ٤٨٪ مقارنة بفترة ما قبل الثورة الصناعية (أي قبل عام ١٧٥٠).
الأمر إذن يشبه زيادة تناول الطعام فيصاب الإنسان بالسمنة، أو زيادة النوم عما يحتاجه الجسم فيصاب ببعض الأمراض، وكما نعرف جميعا فإن كل ما زاد عن الحد، انقلب إلى الضد.
وتقول وكالة الفضاء الأمريكية"ناسا" أن الاحتباس الحراري أو الاحترار العالمي Global warming، هي حالة "طويلة الأمد" من ارتفاع درجة حرارة لنظام مناخ الأرض، وتنتج عن "الأنشطة البشرية" وخصوصا استخدام الوقود الأحفوري "الفحم، البترول، الغاز"، والصناعات العالية الحرارة مثل صناعة الحديد والصلب.
إننا كبشر حينما نفعل ذلك لتلبية احتياجات حياتنا الحديثة من صناعة وتكنولوجيا ووسائل مواصلات وغيرها، تنتج عن أنشطتنا هذه الغازات، فإن تلك الغازات نفسها تقوم بحبس الحرارة في الغلاف الجوي للأرض، وهذا بالضبط هو سر تسمية هذه الظاهرة "الاحتباس الحراري".
المشكلة الرئيسية هنا أن تلك الغازات تؤثر على "التوازن الإشعاعي لكوكب الأرض"، فالأرض وفقا لتصميمها من الخلاق العظيم، كانت تستقبل الحرارة نهارا مع الشمس، وتطردها ليلا مع غروبها.
لكن الغازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون، والميثان، وغيرها من الغازات الناتجة عن أنشطتنا البشرية، تجعل الغلاف الجوي للأرض يحتفظ بمزيد من الحرارة، لانها تشكل ما يشبه "غطاء" يلتف حول الأرض، ويمنع طرد الحرارة منها.
ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، مداخن المصانع التي تنتج غازات الاحتباس الحراري، Robert S. Donovan، (CC BY 3.0). |
ويحدث الاحتباس الحراري غالبًا في طبقة التروبوسفير، وهي أدنى مستوى للغلاف الجوي للأرض، والتي تمتد من سطح الأرض حتى ارتفاع يتراوح بين ٦-١١ ميل، وتتجمع فيها معظم الغيوم والسحب.
ببساطة شديدة، يشبه الأمر مطبخ لإعداد الطعام، الموقد مشتعل بداخله، وبدلا من تشغيل شفاط الهواء تم إغلاقه، ثم قمنا بعد ذلك بغلق باب المطبخ وزيادة عدد المواقد بداخله، ونترك لكم تخيل الأمر.
وهكذا، كلما تزيد الغازات، تزيد الحرارة التي يتم حبسها داخل مجال الأرض الجوي، يزيد الاحتباس الحراري، وتزيد نتائجه وتأثيراته علينا جميعا.
أسباب متنوعة للاحتباس الحراري:
ومما قد يكون مثيرا لدهشة الكثيرين أيضا أن أحد أقدم أنشطة الإنسان والتي لا ترتبط بالوقود الأحفوري ولا بنمط الحياة الحديث، "نقصد هنا تربية الماشية" هي أحد أهم أسباب الاحتباس الحراري.
فقطعان الماشية التي يحرص البشر على زيادتها وتنميتها، لتوفير اللحم واللبن والجبن، كبعض أهم الأطعمة والأغذية للمليارات الذين يعيشون على كوكبنا، ينتج عنها الكثير من الغازات الدفيئة التي تفاقم الوضع.
وقد تكون معلومة مستغربة بعض الشيء، لكن أكوام القمامة التي تترك في الشوارع، وبخلاف أضرارها الصحية المعروفة، تساهم أيضا في الاحتباس الحراري، نتيجة لغاز الميثان الذي ينبعث منها.
وكأن الإنسان لم يكفيه كل ذلك التخريب، فأمتدت يداه لقطع الغابات، الغابات المليئة بالأشجار والتي كانت تعمل عمل "الرئة" للكوكب، تسحب ثاني أكسيد الكربون، وتنتج الأوكسجين، فبدلا من زيادتها، نشهد حاليا قطع جائر لها، بخلاف ما يحدث سنويا من حرائق، تأتي على كثير من مساحتها.
آثار الاحتباس الحراري:
نحن لسنا في مرحلة انتظار نتائج أو آثار الاحتباس الحراري، فهذه الظاهرة أصبحت تعيش معنا كل يوم بل كل لحظة، وهي في حياتها تلك، أتت بالموت وبالخراب والدمار.
في القطبين الشمالي والجنوبي، تذوب الجبال الجليدية الشامخة وتتحول إلى قطع ثلجية صغيرة ومفتتة، من هنا مر الاحتباس الحراري، rawpixel. |
من الخطأ والتسطيح أن نعتبر آثار الاحتباس الحراري محصورة في ارتفاع درجات الحرارة، فالأمر أكثر تعقيدًا، والكون كما خلقه الله عز وجل، نظام واحد متصل، فإذا تغير منه جزء، فقد تحدث العديد من التغييرات في أجزاء أخرى.
وهكذا، فبسبب الاحتباس الحراري أو الاحترار العالمي، تزيد وتيرة وقوة الأعاصير والفيضانات، والتي تقتل الآلاف وربما أكثر سنويا حول العالم، وهذا الرقم مرشح للزيادة مع تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري أو الاحترار العالمي.
وبخلاف الأدلة المادية التي ظهرت على كوكبنا ودرجات الحرارة فيه، مكنت الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض والتطورات التكنولوجية الأخرى العلماء من رؤية الصورة الكبيرة، فجمعوا أنواعًا مختلفة من المعلومات حول كوكبنا ومناخه على نطاق عالمي. هذه المجموعة من البيانات، التي تم جمعها على مدى سنوات عديدة ، تكشف عن إشارات تغير المناخ ونتائج الاحتباس الحراري.
وبحسب وكالة الفضاء الأمريكية ناسا، نتج عن الاحتباس الحراري:
- ارتفاع مستوى مياه البحار ٤ إنش منذ يناير ١٩٩٣، هذا الارتفاع قد يؤدي لغرق العديد من المدن الساحلية حول العالم.
- هذا الارتفاع في مستوى سطح البحر، ينتج بصورة أساسية عن فقدان الأرض لما يقدر ٤٢٧ مليار طن متري (الطن المتري يساوي ألف كجم) من الصفائح والأنهار الجليدية في القطبين الشمالي والجنوبي بشكل سنوي منذ عام ٢٠٠٢، إن فقدان هذه المساحات، وبجانب رفع مستوى سطح البحار، يحرم الأرض من دورها الذي كان يشبه "مكيف الهواء".
- تقلصت مساحة بحر القطب الشمالي بنسبة ١٣٪ كل عشر سنوات منذ العام ١٩٧٩.
- من المتوقع في حال استمرار الاحتباس الحراري أن ترتفع مستويات سطح البحار والمحيطات بحلول نهاية القرن بين (٢٦ و ٨٢ سم)، هذه الأرقام كافية لغرق بعض المسطحات بالفعل، وعلى رأسها الجزر والمناطق القريبة جدا من الشواطئ، وبحسب أرقام "البنك الدولي" قد يغرق في هذه الحالة ١٠٠ مليون شخص.
- ارتفاع درجة حرارة البحار والمحيطات، يؤدي إلى إلحاق أضرار كبيرة بالبيئة والكائنات البحرية.
- أدي الاحتباس الحراري إلى تغيير نمط وطريقة هطول الأمطار في العديد من الدول.
- إن التغيير في نمط هطول الأمطار تزيد خطورته بالنسبة للأنهار التي تتشكل في جزء كبير منها من الأمطار، ما يؤثر على الأمن المائي والزراعة بشكل كبير.
- غيرت بعض أنواع الحيوانات والطيور مواسم وطريقة تحركاتها وهجرتها بسبب الاحتباس الحراري.
- يرتبط الاحتباس الحراري ارتباطا وثيقا مع العديد من حالات حرائق الغابات حول العالم.
- يؤدي ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى انتشار "البعوض" الذي يحمل معه العديد من الأمراض مثل "الملاريا" أو "فيروس زيكا".
- إنتشار ظواهر مثل الجفاف والتصحر.
إذا ساقتكم الأقدار يوما للقيام برحلة إلى "القطب الشمالي"، سيمكنكم هناك مشاهدة أحد أوائل الضحايا للاحتباس الحراري، إنهم (الدببة القطبية).
أصبحت مهمة الدببة القطبية في الحصول على الغذاء أكثر صعوبة بسبب الاحتباس الحراري، وهناك تحذيرات جادة من أنها معرضة لخطر الانقراض، Pixabay، (CC0 1.0) Public Domain Dedication. |
فمنذ خلقهم الأول، تعيش الدببة القطبية هناك وتصطاد الفقمات والثدييات البحرية الأخرى، في عملية تعتمد فيها على فجوات صغيرة في الجليد لاصطياد فرائسها، لكن وبسبب الاحتباس الحراري، أصبحت الفجوات الموجودة في الجليد تتسع يوما بعد يوم، وتزيد من مهمة الدببة القطبية في صيد طعامها.
ومن الناحية الاقتصادية، تقدر (منظمة العمل الدولية) أن العالم سيخسر بسبب الاحتباس الحراري نحو ٢،٥ تريليون دولار أمريكي حتى عام ٢٠٣٠.
ما هو الحل لمواجهة الاحتباس الحراري:
بحسب "الأمم المتحدة" ووكالة الفضاء الأمريكية ناسا، فإن درجة حرارة الأرض حاليا أعلى مما كانت عليه في القرن التاسع عشر بمقدار (١,١) درجة مئوية، والسبب هو "الاحتباس الحراري".
اتفق العالم (نتحدث هنا عن ١٩٧ دولة من أصل ١٩٩ دولة عضو في الأمم المتحدة) في "اتفاقية باريس" الموقعة في ١٢ ديسمبر/ كانون الأول سنة ٢٠١٥، على العمل من أجل منع ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار (درجتين مئويتين) كهدف أساسي، ومن ثم السعي إلى جعل الزيادة تتوقف عند مقدار (١,٥ درجة).
الاتفاقية، تهدف إلى تحقيق هذه الأرقام حتى لا تتضاعف الاثار السلبية للاحتباس الحراري، والتي قد تتحول لكوارث فعلية، والتزمت كل دولة من دول العالم فيها بتخفيض الانبعاثات الحرارية الناتجة منها، ليستطيع العالم وبالعمل الجماعي أن يحقق الهدف الكلي.
وفقا لاتفاقية باريس، فمن المفترض أن تتم مراجعة إلتزام كل دولة بالتخفيض مرة كل خمسة سنوات، ويختلف التزام كل دولة عن الأخرى بحسب ما ينتج عنها من غازات الاحتباس الحراري.
ولعل من المهم هنا أن نشير إلى أن الدول الكبرى هي المتسبب والمتهم الرئيسي في قضية الاحتباس الحراري، فرقميا تنتج ١٠ دول فقط، وهي أكبر الدول الصناعية، ما نسبته ٦٨٪ من انبعاثات غازات الدفيئة ، في حين أن هناك ١٠٠ دولة، لا ينتج عنها إلا ٣٪ فقط من إجمالي الانبعاثات.
فمن العدل هنا أن تتحمل كل دولة بمقدار ما ينتج عنها.
لقد تعرضت البشرية للصدمة، عندما اكتشفت أن العقد ما بين عامي (٢٠١١ : ٢٠٢٠) كان أكثر عقد من حيث ارتفاع درجة الحرارة المسجلة منذ بدأ البشر في تسجيل درجة حرارة الأرض.
وإذا ما واصلنا السير بنفس المعدل الحالى، فإن درجة حرارة الأرض ستزيد كل عشر سنوات بمقدار (٠,٢) درجة مئوية كحد أدنى، لذا ستزيد درجة الحرارة بما لا يقل عن (١،٦) درجة مئوية مع نهاية القرن الجاري، ما سيسبب كوارث لن نتمكن من صدها أو التعامل معها، خصوصا بالنسبة للدول والمجتمع الفقيرة.
المهم الآن، هو التكامل بين الاقتصاد وخبراءه، وبين علماء الطبيعة والبيئة، هناك حالة من البشرى بأن الإنسان يمكنه تغيير نمط الإقتصاد واستهلاك الطاقة، وفي نفس الوقت يحافظ على أرباحه ومعدلات التنمية المرتفعة.
حسب توقعات "الأمم المتحدة" من الممكن أن ينتج عن الاقتصاد المراعي للبيئة، مكاسب اقتصادية تقدر بنحو ٢٦ تريليون دولار أمريكي حتى عام ٢٠٣٠، ويوفر ٦٥ مليون فرصة عمل جديدة حول العالم.
العديد من الشركات الكبرى (جوجل على سبيل المثال) وضعت خططا لجعل أنشطتها تصل إلى الحياد الكربوني، أي أن تكون انبعاثات الكربون منها صفر .. أو حتى تقترب من درجة الصفر، وتعوض الكربون الذي تنتجه بزراعة أشجار أو أي وسائل أخرى لانتاج الأوكسجين أو سحب كمية مماثلة لكمية الكربون الذي انتجته.
فهل ننجح في الحفاظ على كوكبنا؟.
حقيقة، فهناك تشكيك في التزام الدول الكبرى بالالتزامات التي قطعتها على نفسها في اتفاقية باريس للمناخ ٢٠١٥، سواء في تقليل حجم الانبعاثات منها، أو دفع مبلغ ١٠٠ مليار لدولار سنويا للدول النامية لمساعدتها على الانتقال للاقتصاد الصديق للبيئة.
لا ننسي هنا أن نذكر الاقتراح الذي يتبناه الملياردير الأمريكي الشهير، مؤسس شركة مايكروسوفت، وأغني رجل في العالم لوقت طويل "بيل غيتس" لمواجهة الاحتباس الحراري وارتفاع درجة حرارة الأرض.
يريد بيل غيتس تمويل خطة "حجب جزئي" لأشعة الشمس، والتي تعمل عليها جامعة هارفارد Harvard University، أقدم وأعرق الجامعات الأمريكية.
فكرة الخطة تقوم على رش غبار كربونات الكالسيوم غير السامة (CaCO3) في الغلاف الجوي، وهي مادة من صفاتها التعلق في الهواء، ما سيجعلها تشطل غيوم تعكس أشعة الشمس... وبشكل عام يمكنكم الإطلاع على تفاصيل هذه الخطة عبر تقريرنا: ((خطة بيل غيتس لحجب الشمس.. مقامرة تقليل درجة حرارة الأرض التي قد تقودنا لكارثة بيئية)).