قصة الفتي أحمد مناصرة.. عندما تغتال إسرائيل الطفولة

على أعتاب قصته تنتحر كل مواثيق حقوق الإنسان، يتغافل أو قل يتعامي كل زعماء العالم الحر، الصارخون بالديمقراطية، المنادين بالحرية.

جنود إسرائيليين يحيطون بالفتى أحمد مناصرة وأحدهم يمسك بالأغلال بين يديه في ممر نحو قاعة إحدى جلسات محاكمته، صورة من مواقع التواصل.

إنها قصة طفل، مجرد طفل، لكن ذنبه أو قل بطولته أنه كان طفلا من فلسطين، عن أحمد مناصرة نتحدث، ذلك الذي اختصر مأساة نحو ٢٠ ألف من أطفال فلسطين الذين اعتقلتهم إسرائيل منذ انتفاضة الأقصى إلي وقتنا هذا، ويقبع منهم المئات في سجون الاحتلال الإسرائيلي حتى اليوم.

مش متذكر:

"مش متذكر" بتلك الكلمتين أخذ الطفل ينطق في عصبية كاشفة عن مدى الضغط النفسي الذي وضعه فيه سجانه الإسرائيلي.

فيديو تسرب إلي العلن، جذب اهتمام كبير من الجماهير العربية على الأقل إلي أحمد مناصرة، ليسيل الدمع من عيون كثيرة.

فيديو التحقيق الوحشي مع الطفل الفلسطيني أحمد مناصرة

المحقق الإسرائيلي الذي يعلم أنه في موقف القوي، موقف القوي الذي لن يحاسبه أحد، فأوروبا تنتفض لمقتل حيوان، لكنها لا تنتفض لطفل عربي من فلسطين، وأمريكا قد تشغل بالها بجوائز اليناصيب، لكنها تنام قريرة العين وحليفتها إسرائيل التي تستمد منها قوتها تضرب بعرض الحائط كل قيمة ومعني نبيل في الحضارة الإنسانية.

الطفل الفلسطيني صرخ قائلا "شو انجنيت .. خذني على الدكتور"، وعندما وصل للحظة الإنهيار طلب من المحقق أن ينهي التحقيق قائلا "كل شيء بتحكوه صح" .. مبديا استعداده للاعتراف بأي شيء في مقابل أن ينهي التحقيق المريع الذي لم نشاهد منه إلا دقيقتين كانت كفيلة بإثارة الدماء في عروق أبرد الرجال.

اتهام لم يثبت:

عندما اعتقلت إسرائيل أحمد مناصرة الذي دخل عقده الثاني من العمر، كان لايزال طفلا في ذلك الوقت، فلم يكن قد أكمل عامه الثاني عشر بعد، ما يعني أن طفولته وصباه قد اغتالتهما إسرائيل عندما وضعته خلف قضبان سجونها الحديدية الظالمة.

وعلى خلفية أن الاتهام الموجه إليه هو محاولته تنفيذ عملية طعن وقتل وحيازة سكين عام ٢٠١٥ مع ابن عمه "حسن مناصرة"، في حي "بسغات زئيف" في القدس الشرقية المحتلة، صدر الحكم على أحمد مناصرة بالسجن لمدة ١٢ عاما، دون أن يقدم الإسرائيليين دليلا يثبت التهمة عليه.

أحد الفيديوهات التي ظهرت من واقعة الطعن التي يعاقب عليها أحمد مناصرة، اظهرت إحاطة عدد من الإسرائيليين حوله وهم يهتفون بالعبرية أن يطلق الرصاص على رأسه، بعدما إصيب بالرصاص في جسده، في نفس الوقت الذي كانوا يكيلون فيه الشتائم النابية مثل "موت يا ابن ....".

شتائم صاحبها لكمات وركلات للفتي الذي غرق في دمائه ولم يتقدم أحد لإسعافه.

في ذات التوقيت كان ابن عمه حسن مناصرة قد فارق الحياة بعدما دهسه أحد المستوطنين الإسرائيليين بسيارته عمدا وإطلاق الجنود الإسرائيليين الرصاص عليه.

كانت هذه الحادثة مجرد حلقة في سلسلة طويلة من حوادث طعن نفذها الفلسطينيين ضد الجنود والمستوطنين الإسرائيليين في تلك الفترة، وعرفت إعلاميا باسم "انتفاضة السكاكين".

محامية أحمد مناصرة، ليئا تسيمل، قد تحدثت في وقت سابق لـ"فرانس برس"، قائلة: "إن كل الأدلة والبراهين واعترافات أحمد تظهر أنه لم يطعن ولم يقتل ولم يتسبب في إيذاء أحد، والذي طعن هو ابن عمه حسن، وقد أجهزوا عليه"، وأضافت أن موكلها أراد إخافة الإسرائيليين "ليتوقفوا عن قتل الفلسطينيين".

حاولت السلطات الإسرائيلية جعل الناس ينسون مشهد أحمد مناصرة وهو ملقي على الأرض يتعرض للضرب والسب، فنشرت صورته في المستشفى، ولكنها نسيت حتى وهي تلتقط الصور الدعائية له، نسيت أغلالها في يده.

المحامية ليئا تسيمل أضافت: "اعتبر القضاة أن الخلفية التي دفعت أحمد للقيام بما فعله هي خلفية الكراهية لليهود واللاسامية، وهذا الأمر ليس صحيحا، لأن دافعه سببه الاحتلال الذي يرزح تحته سكان القدس الشرقية منذ ٥٠ سنة، والحديث يجري عن صراع قومي، وهناك رد فعل للاحتلال كل يرد حسب قوته وقدرته، الضعفاء والمهزومون، الصغار والنساء، كل يتفاعل بطريقته الخاصة".

محاكمة طفل:

مما يذكر هنا للمحامية ليئا تسيمل وللمحاماة بشكل عام أنها محامية يهودية إسرائيلية، ومع ذلك فهي لا تتردد عن دعم الفلسطينيين، والترافع والدفاع عن الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، إنها نموذج حي للضمير الذي يقود البشر إلي الصواب لا إلي جهة معينة من المفترض أن يذهب إليها لأن حكومته التي تحتل الأرض تتجه إليها.

وقد أكملت ليئا تسيمل مهمتها في الدفاع عن أحمد المناصرة دون أن تهاب أو تخاف مصير زميلها الفلسطيني محامي هيئة الأسرى والمحررين، والمكلف بمتابعة قضية الفتى أحمد مناصرة طارق برغوث، والذي اعتقلته إسرائيل في ديسمبر ٢٠١٥.

في وقت لاحق (أغسطس ٢٠١٧)، تم تخفيف الحكم عن أحمد مناصرة ليصبح تسعة سنوات ونصف، وتقرر إخضاعه "لإعادة تأهيل" بحسب مصلحة السجون الإسرائيلية، ما يعني أنه حتى لو نفذ هذه المدة المخفضة فحسب فسيظل خلف القضبان حتى منتصف عام ٢٠٢٤.

قرار تخفيض مدة السجن الصادر من المحكمة العليا الإسرائيلية "أعلى محكمة في إسرائيل"، أبقي على الشق الخاص بتغريم أحمد مناصرة مبلغ ١٨٠ ألف شيكل إسرائيلي "يعادل نحو ٥٠ ألف دولار".

أصبح أحمد مناصرة يعاني من إضطرابات نفسية نتيجة سجنه لهذه المدة، وهذا شيء ليس بالمستغرب لمن شاهد فيديو لم يكشف لنا إلا مجرد دقائق مما مر به مناصرة من أذى نفسي، بخلاف عزله في زنزانة انفرادية، حيث تضاف آلام الوحدة إلي عذاب السجن.

بجانب كل هذا لنا أن نتخيل فتي في هذا العمر ظل لسبع سنوات متتالية لا يري والدته إلا من خلال حاجز زجاجي عازل.

تكشف كلمات المحامي خالد زبارقة، وهو أحد المحامين الذين عملوا في الدفاع عن أحمد مناصرة، حالته النفسية بقوله أنه وعندما حاول التخفيف عنه، أجابه مناصرة: "أنا لا أنتظر سوى الموت .. لا أنتظر شيئا من هذه الحياة"، ثم أعقبه بسؤال: "هل أنت متأكد أن الانتحار حكمه حرام؟".

الأذى الذي لحق بأحمد مناصرة، لم يكن نفسيا فقط، بل تعرض كذلك للضرب المبرح من عتاولة المحققين الإسرائيليين، نجم عن ذلك إصابته بورم دموي داخل الجمجمة بعدما تعرض لكسر في الجمجمة ذاتها، الأمر الذي يجعله بشعر بصداع وآلام حادة في رأسه.

أحمد مناصرة في طريقه نحو جلسة من جلسات محاكمته.

وللأمانة الصحفية، فقد ذكرت بعض المصادر أن هذه الإصابة نجمت عن ضربه يوم قبض عليه على خلفية حادثة الطعن التي تتهمه إسرائيل بتنفيذها.

مراحل هامة في قضية أحمد مناصرة:

  • حملة عالمية للإفراج عن أحمد المناصرة، ووسم #الحرية_لأحمد_مناصرة، يغزو مواقع التواصل الاجتماعي.
  • ٢٠٠ ألف شخص من دول متعددة يوقعون عريضة إلكترونية تطالب بالإفراج عن أحمد مناصرة.
  • المحكمة المركزية تسقط تهمة الإرهاب عن أحمد مناصرة.
  • اللجنة الخاصة تصدر قرارا بالإفراج عن أحمد المناصرة.
  • المحكمة الإسرائيلية في بئر سبع تبطل القرار بالإفراج عنه.

وفي النهاية، فإن انسداد السبل أمام حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، لن ينتج عنه إلا ألف ألف مثل أحمد مناصرة، فلن تستطيع قوة ما، مهما كان جبروتها أو صلفها أو قدراتها العسكرية أن تدفن شعبا بأكمله.

إن هذا الصراع المعقد، ينذر بنتائج قد تكون كارثية على المنطقة بأسرها إن لم يتم التوصل إلي حلول نهائية وعادلة.

القانون في الخليج
القانون في الخليج
القانون في الخليج هي منصة إلكترونية صنعت خصيصا للتوفير المعلومات القانونية الدقيقة والموثوقة لكافة العاملين بالقانون وحتى الأفراد العاديين في دول الخليج العربي. إذا كنت إستاذا في القانون، قاضيا، محاميا، أو حتى قارئ عادي فستوفر لك القانون في الخليج المعلومة القانونية التي تحتاجها وفورا.
تعليقات