عملية جسر لندن Operation London Bridge.. انتشر ذلك الاسم الكودي للعملية التي وضعتها السلطات البريطانية لتبدأ في تنفيذها فورا عند وفاة الملكة إليزابيث الثانية.. صاحبة أطول مدة للجلوس على عرش الإنجليز، إذ صعدت ملكة على العرش البريطاني منذ عام ١٩٥٢.
تنويه: توفيت الملكة إليزابيث الثانية ظهر اليوم الخميس الثامن من ٨ سبتمبر ٢٠٢٢ عن عمر يناهز ٩٦ عاما، للتفاصيل طالع تقريرنا عن وفاة صاحبة الجلالة الملكة إليزابيث الثانية من هنا.
الملكة إليزابيث الثانية، ملكة المملكة المتحدة، تظهر في الصورة وهي ترتدي التاج البريطاني في طريقها لحضور جلسة افتتاح دورة للبرلمان البريطاني، Michael Garnett، (CC BY-NC-SA 2.0)، via Flickr. |
في تلك الفترة التي جلست فيها إليزابيث الثانية على العرش، تناوب على رئاسة الوزراء في بريطانيا أكثر من ١١ من روساء للوزارة، مات عدد منهم، مرت حوالى ٢٠ دورة ألعاب أوليمبية صيفية، وأكثر من ٦ باباوات جلسوا على الكرسي البابوي في روما.
خاضت بلادها درزينة من الحروب، وحاولت إستعادة نفوذ بلادها مع الدول التي كانت تحتلها يوم ما كانت لا تغيب عنها الشمس والتي تعرف باسم (دول الكومنولث) وأهمها الهند وكندا، خصوصا عقب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
لكن الموت، هو الحقيقة الوحيدة التي لا يستطيع أي إنسان أن يفر منها، ملكا كان أو عاملا أو فلاحا في كوخ مصنوع من القش، لذا لم يكن مستغربا وضع (خطة التصرف بعد وفاة الملكة إليزابيث الثانية).. التي تشرح ماذا سيحدث عندما تموت إليزابيث الثانية.
إنها الخطة التي ستتعامل مع لحظات وفاة الملكة التي فقدت زوجها "فيليب دوق إدنبرة" عام ٢٠٢١، والتي يشعر بعض الإنجليز -وإن كانوا يفضلون عدم التفكير في الأمر- بأن يوم وفاتها قد اقترب.
بينما يري البعض الآخر أنها تتمتع بصحة جيدة ولديها سنوات أخرى لتعيشها، ولايزال هؤلاء وهؤلاء يهتفون كل يوم "فليحفظ ﷲ الملكة"... إنه ذات الهتاف الذي ردده جندي أوكراني دمر دبابة روسية عند مدينة خاركيف بصواريخ الجيل التالي المضادة للدبابات نلاو السويدية الصنع التي أرسلتها بريطانيا لأوكرانيا قبل الحرب بمدة قصيرة.
جسر لندن:
كانت صحيفة بوليتيكو POLITICO الأمريكية الشهيرة صاحبة الانفراد بالحصول على الوثائق السرية لعملية جسر لندن بالتفصيل، ونشرتها في مطلع سبتمبر ٢٠٢١.
اعتبر ذلك تفجيرا صحفيا هاما للغاية.. فلسنوات متواصلة كان سؤال (ماذا سيحدث في حالة وفاة الملكة) أحد أهم الأسئلة داخل وخارج بريطانيا على السواء.
وتنبغي الإشارة هنا إلي أن الخطة ليست جديدة ولم يتم التفكير في وضعها مع تقدم الملكة إليزابيث الثانية في السن، بل بدأ العمل بها منذ ستينيات القرن العشرين وهي تخضع للتطوير والتعديل المستمر لملائمة التغييرات التي تحدث.
ما يزيد من أهمية حصول بوليتيكو POLITICO الأمريكية على وثائق العملية، أنه وعلى مدار سنوات متتالية، كان ما ينشر حول عملية جسر لندن مجرد مقتطفات أو تكهنات، ولم يتم معرفة اسم العملية ذاته (جسر لندن) إلا في العام ٢٠١٧.
كما شمل التسريب أيضًا خطة باسم Operation Spring Tide، أو (عملية مد الربيع) ، وهي الخاصة بالإجراءات المتعلقة بالأمير تشارلز بعد صعوده للعرش وإعلانه ملكا للمملكة المتحدة بعد رحيل والدته.
بداية من الحديث عن بدأ تنفيذها بإتصال هاتفي إلي رئيس الوزراء البريطاني يقال فيه كلمة السر: "جسر لندن معطل" London Bridge is down، ثم الإعلان الرسمي عن وفاة الملكة إليزابيث الثانية عبر وكالة الأنباء الرسمية للمملكة المتحدة وأيرلندا PA Media.
تنفيذ عملية جسر لندن:
الجديد بعدما نشرته صحيفة بوليتيكو POLITICO ، أنه أصبح معروفا وواضحا ما سيحدث بالضبط وليس مجرد تكهنات.
تنطلق عملية جسر لندن فورا بمجرد أن يعلن الأطباء للمحيطين بها أنها قد ماتت، وتستمر لمدة ١٠ أيام ستلف خلالها المملكة المتحدة كلها بالحداد الرسمي، وتحمل بدقة كل التفاصيل التي سيتم تنفيذها.
صحيفة "صانداي تايمز" البريطانية قالت أن عددا من الوزراء قاموا بالتدرب على أدوارهم في الخطة، مثل المشاركة في الجنازة الرسمية التي ستقام للملكة إليزابيث الثانية.
التدريب بحسب الصحيفة جاء تحت اسم "دوف كاستل"، وتزامن مع وعكة صحية كانت الملكة تمر بها في وقت إجراءه.
الإجراءات موضوعة فعلا، وكل شخص يعرف دوره وعليه القيام به كما ينبغي، الجميع الآن عليه أن يقدم خدماته للمملكة المتحدة.
تفاصيل خطة العملية "عملية جسر لندن Operation London Bridge" ، التي عندما سيبدأ تنفيذها ستكون الملكة إليزابيث الثانية قد رحلت عن عالمنا، سنلاحظ أن فلسفتها الأساسية هي التعامل بعناية وحرص شديد لا سيما فيما يتعلق بإذاعة نبأ وفاة الملكة للشخصيات العامة الرئيسية والشعب البريطاني والعالم.
في خطة (عملية جسر لندن) يطلق على يوم وفاة صاحبة الجلالة اسم "D-Day" اختصارا لDeath Day أو يوم الوفاة. كل يوم بعد ذلك سيشار إليه بالأرقام "D + 1" و "D + 2" وما إلى ذلك، حتى نصل لليوم الأخير "D + 10".
وهذه هي خطوات عملية جسر لندن خطوة بخطوة:
هذا هو السير إدوارد يونغ، السكرتير الخاص بالملكة إليزابيث الثانية، سيقع على عاتق الرجل مهمة إبلاغ رئيس الوزراء البريطاني بأن الملكة إليزابيث الثانية قد توفيت. |
- سيكون رئيس الوزراء هو أول شخص يتم إبلاغه بخبر وفاة الملكة، وستلقي هذه المهمة على عاتق "إدوارد يونغ" السكرتير الشخصي للملكة، والمكلف بنقل خبر وفاتها.
- يبدأ رئيس الوزراء البريطاني في تنفيذ خطة عملية جسر لندن.
- في غضون دقائق، ينبغي إبلاغ حكومات (١٥) دولة مستقلة، لكنها تعتبر ملكة المملكة المتحدة هي رأس الدولة فيها بشكل شرفي، وهذه الدول هي: (أستراليا، كندا، نيوزيلندا، جامايكا، باربادوس، باهاماس، غرينادا، بابوا غينيا الجديدة، جزر سليمان، توفالو، سانت لوسيا، سانت فينسنت والغرينادين، بليز، أنتيغوا وباربودا، سانت كيتس ونيفيس).
- يتبع ذلك إبلاغ حكومات ٣٦ دولة يشكلون اتحاد الكومنولث، وهو اتحاد يجمع الدول التي كانت تابعة للتاج البريطاني ذات يوم.
- يلي ذلك (سلسلة من الاتصالات) ستسمر لساعات لإبلاغ كبار المسؤولين بالنبأ، وعلى رأسهم سكرتير مجلس الوزراء، وعدد من الوزراء.
- سيتم تنكيس الإعلام إلي نصف الصاري، إنها واحدة من أهم العلامات تاريخيا التي تنفذها كل دول العالم تقريبا في حالات الحداد.
- ستظهر على أبواب قصر باكنغهام بعد ذلك إشعارًات ولافتات ذا حواف سوداء تحمل خبر وفاة الملكة.
- ستتوقف جميع برامج هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) على التلفزيون أو الراديو أو مواقعها وصفحاتها الإلكترونية ، وستواصل تشغيل بث حي مخصص لتغطية أخبار وفاة الملكة.
- المذيعين والمذيعات في هيئة الإذاعة البريطانية سيرتدون على الفور البدلات والملابس السوداء، المتوفرة بالفعل حاليا في جميع الأوقات في استوديوهات الأخبار، وستتحول العلامة التجارية الحمراء التقليدية لبي بي سي نيوز إلى اللون الأسود.
- في الوقت ذاته يتم إرسال إشعار بخبر وفاة ملكة المملكة المتحدة إليزابيث الثانية إلي جميع محطات التلفزيون والراديو الشهيرة ووكالات الأنباء الرسمية والصحف الكبرى حول العالم.
- سيتحول الموقع الملكي على شبكة الإنترنت إلي اللون الأسود، وسيتم نشر بيان قصير على الموقع يعلن وفاة الملكة.
- ستحدث حالة من "التعتيم والمنع" على مواقع التواصل الاجتماعي في المملكة المتحدة، وسيتم حظر إعادة نشر أي منشورات أو تغريدات.
- جميع المواقع وصفحات وسائل التواصل الاجتماعي التابعة للجهات الحكومية في المملكة المتحدة ستضع لافتات وعلامات سوداء.
- ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز -وهو أيضا ابن الملكة إليزابيث الثانية، والزوج السابق للأميرة الراحلة ديانا- سيخطب في الأمة.
- سيلقي رئيس الوزراء البريطاني أيضًا خطابا ينعي فيه الملكة إليزابيث الثانية.
- يلقي رئيس الوزراء وحكومته نظرة الوداع على تابوت الملكة في محطة قطارات سانت بانكراس في العاصمة لندن.
- سيكون على الملك الجديد "تشارلز" وفي الأيام السابقة لدفن جثمان والدته أن يقوم بجولة في أرجاء مملكته.
- ستكون جنازة الملكة إليزابيث الثانية، واحدة من أكبر الجنازات في القرن الحادي والعشرين، وستجعل الكثير من الطرق في بريطانيا مشلولة تماما.
- دفن الملكة إليزابيث الثانية سيتم في (كنيسة وستمنستر)، والتي تعد الكنيسة الرسمية للعائلة المالكة في بريطانيا، وفيها يتم تتويج الملوك الجدد، ويدفن الملوك الراحلين، كما تشهد مراسم زواج الملوك والأمراء.
تظهر الوثائق المسربة كذلك المستوي الاستثنائي المطلوب من الأذرع الأمنية للدولة البريطانية لإدارة الحشود الغير مسبوقة التي من المتوقع قدومها من جميع أرجاء البلاد، وما يمكن أن يحدث من "فوضي السفر" التي ستنتج عن سفر أعداد كبيرة من المواطنين نحو لندن للمشاركة في الجنازة.
المخاوف المالية:
الغريب في الوثائق المسربة لعملية جسر لندن ، هو ما حوته من مخاوف حول (الموارد المالية) اللازمة لتنفيذها.
فبخلاف كون المملكة المتحدة تمتلك واحدا من أكبر الاقتصادات على مستوي العالم، فإن الملكة إليزابيث الثانية نفسها شخصية شديدة الثراء.
في تقرير سابق للمعرفة للدراسات بعنوان (من أين تأتي أموال الملكة إليزابيث الثانية.. مصادر ثروة ملكة الإنجليز) عرضنا أن الملكة إليزابيث الثانية تمتلك مصادر دخل متعددة ووفيرة.
بداية من المنحة السيادية التي تمنحها لها الحكومة كل عام للقيام بواجباتها الرسمية، مرورا بعائدات (دوقية لانكستر) التي يتوارثها الملوك الإنجليز ، وتشمل عقارات تجارية وزراعية وسكنية ومناطق تعدين وقلاع، وتدر على الملكة ٢٣ مليون جنيه إسترليني سنويا، وصولا إلي ما ورثته عن والدها الملك جورج السادس مثل ضاحية قرية ساندرينجهام ، وقلعة بالمورال.
لذا كان من المستغرب الحديث عن مشاكل تمويل تنفيذ خطة وفاة الملكة إليزابيث الثانية (عملية جسر لندن).
غضب من تسريب خطة عملية جسر لندن:
برغم أنه من الطبيعي وضع خطة بالإجراءات التي ستتخذ عقب وفاة الملكة إليزابيث الثانية ، فإنه من غير الطبيعي أن يتم تسريب هذه الخطة، وهو ما آثار غضب العائلة المالكة في بريطانيا بشدة، بخلاف غضب الحكومة نفسها، وعدد آخر من المسؤولين البريطانيين.
ففي إحدي المناسبات المتكررة التي تنتشر فيها شائعات وفاة ملكة بريطانيا، يبدو أن أحد الأشخاص من المطلعين على الخطة قرر تسريبها، ولعله يكون قد ظن أن الملكة قد ماتت فعلا.
جزء كبير من حالة الغضب تلك أن تسريب خطة "عملية جسر لندن Operation London Bridge" جاء بعد ٥ شهور من وفاة زوج الملكة "فيليب دوق إدنبرة".
بحسب صحيفة "تلغراف" (The Telegraph) فإن مجلس الوزراء البريطاني السابق برئاسة "بوريس جونسون" حينها قرر فتح تحقيق لمعرفة من تسبب في حدوث هذا التسريب لخطة تعتبر من أسرار المملكة المتحدة، وكيفية حدوث ذلك.
في النهاية، قد يكون منطقيا أن يتم إجراء تعديلات على البنود الأمنية بالخطة بالتحديد بعد اكتشافها.