بسبب عدم قدرتهم على نقل المعدات جوا خوفا من اسقاطها بواسطة المقاتلات الاعتراضية الروسية، يتعين على حلفاء أوكرانيا من الدول الغربية إرسالها عبر نفس الحدود التي يكافح اللاجئون لعبورها.
فالحقيقة أن الحرب الروسية على أوكرانيا قد وحدت الغرب بعد طول إنقسام، وتقريبا تريد جميع الحكومات الغربية شحن أسلحة إلى أوكرانيا.. لكن السؤال المهم كيف ستصل هذه الأسلحة؟ وهل ستصل بالسرعة المطلوبة؟.
الوحدة وكسر المحرمات:
نري الآن فرنسا وقد نسيت كيف سرقت أمريكا وبريطانيا منذ خمسة شهور فقط صفقة الغواصات الأسترالية ، والتي اعتبرتها خيانة وطعنة في الظهر، وسحبت سفرائها من البلدين، تقف الآن معهما في جبهة واحدة ضد فلاديمير بوتين.
ألمانيا كسرت المحرمات القديمة، والتي كانت تعتبر من المسلمات في السياسة الألمانية، فبعدما رفعت ميزانيتها العسكرية بمائة مليار يورو دفعة واحدة، تخطت كذلك سياستها التي كانت ترفض منذ فترة طويلة إرسال أسلحة إلى أيا من مناطق الصراع.
هي نفس الدولة التي أرسلت إلى أوكرانيا هدية سخيفة قبل الحرب بـ ٥٠٠٠ خوذة، نجدها ترسل الآن صواريخ مضادة للدبابات وصواريخ أرض-جو مضادة للطائرات.
الاتحاد الأوروبي ، وهو الكيان الذي لا يمتلك أي جيش أو جندي، والحاصل من قبل على جائزة نوبل للسلام، بعث ما قيمته ٤٥٠ مليون يورو (٤٩٩ مليون دولار) من المعدات العسكرية الفتاكة، كما خصص الاتحاد الأوروبي ٥٠ مليون يورو أخرى من أجل توفير الإمدادات غير الفتاكة مثل الوقود، ومعدات الحماية، والخوذات، ومجموعات الإسعافات الأولية.
كما تسعي دول الاتحاد الأوروبي حاليا إلي تغيير معاهداتها التي لا تسمح لها بالاستفادة من ميزانيته العادية للأغراض العسكرية، فإنها تسعي حاليا لتفعيل (مرفق السلام الأوروبي) وهي أداة مالية جديدة تغطي جميع أعماله الخارجية التي لها آثار عسكرية أو دفاعية بموجب السياسة الخارجية والأمنية المشتركة، والمعتمدة في مارس ٢٠٢١، ما سيسمح بتوفير مساعدات لأوكرانيا قد تصل قيمتها إلي ٥ مليار يورو.
حتى لوكسمبورغ، تلك الدولة الصغيرة، وجدناها ترسل سيارات جيب وخيام و ١٠٠ صاروخ مضاد للدبابات من طراز الجيل الجديد NLAW الذي اثبت كفاءة هائلة في تدمير الدبابات والمدرعات الروسية.
الأمريكيين يواصلون إرسال الأسلحة والتي تتمثل أساسا في صواريخ جافلين المضادة للدبابات ، وصواريخ ستينغر المضادة للطائرات المحمولة كتفا، وذخائر وأسلحة صغيرة.
وهكذا، اتحدت الحكومات الغربية أيضًا في كونها لا تريد المخاطرة بالتورط في نزاع مباشر مع روسيا بإرسال قواتها لأرض المعركة، لكنها حريصة في الوقت ذاته على مساعدة أوكرانيا في الدفاع عن نفسها. والسؤال الذي يدور في أذهان الكثيرين.. كيف تصل هذه الإمدادات العسكرية إلى أوكرانيا؟.
مجموعة من الجنود يتدربون على إطلاق صواريخ نلاو السويدية الصنع المضادة للدبابات، snappy goat. |
منذ عام ٢٠١٤، قدمت العديد من الدول مساعدات عسكرية غير مميتة (يقصد بها أي معدة عسكرية لا تقتل مثل الخوذات، الحقائب، الخيام... إلخ) لأوكرانيا.
وفي أبريل ٢٠١٨، وصلت الشحنة الأولى المكونة من ٢١٠ صاروخ جافلين و ٣٧ قاذفة من أمريكا، ومن حينها توالت الأسلحة القاتلة والفتاكة لأوكرانيا.
قبل بدء الحرب ، كان من الممكن ببساطة نقل هذه الإمدادات إلى كييف، العاصمة الأوكرانية ، بل كان يتم دعوة الصحفيين لمشاهدة منصات الأسلحة وهي تُفرغ أمام عدسات المصورين.
تحدي إيصال الأسلحة إلي أوكرانيا:
الآن أصبح تسليم أي شيء إلى أوكرانيا أكثر صعوبة. قد تتعرض طائرات الشحن التي تحمل أسلحة لخطر إسقاطها. هذا مجرد تحدي من تحديات إيصال الأسلحة إلي أوكرانيا.
ومع ذلك، فإن أصدقاء أوكرانيا حريصون على تقديم المساعدة، ليس لعيون أوكرانيا فحسب، بل كذلك لهزم الآلة العسكرية الروسية، ومنع مشروع الرئيس بوتين الإمبراطوري من التطور بعرقلته في خطوته الأولى.
التحديات اللوجستية، مسألة الطرق التي ستنقل عبرها هذه الأسلحة، وكذلك الوقت الذي تحتاجه للوصول من الدول المرسلة إلي أيادي المقاتلين الأوكرانيين على خطوط النار.
التحدي الأول، هو شراء تلك الأسلحة والمعدات العسكرية، لأن طبيعة العمل في المصانع وشركات تصنيع الأسلحة عادة ما تكون بطيئة، هناك ميزانيات سنوية للعمل، وهناك أصلا تعاقدات لدول على هذه الأسلحة، بمعني أن خطوط الإنتاج المتوافرة مشغولة أصلا بتلبية طلبيات وتنفيذ عقود سابقة.
لذا فعلى الغالب أن تكون الأسلحة التي تصل إلى أوكرانيا هي تلك التي تمت الموافقة عليها بالفعل وطلبها ودفع ثمنها، سواء كانت قد تم أنتاجها أصلا وتم استلامها، وهذا هو المرجح، أو لا تزال في عملية التصنيع.
أمريكا أيضا لديها فائض من المعدات العسكرية الجديدة التي تركتها في أفغانستان عندما انسحبت منها في أغسطس ٢٠٢١ ، مع دخول حركة طالبان للعاصمة الأفغانية كابل. فهل تستطيع مقايضة حركة طالبان على تمكينها من شحنها لأوكرانيا مقابل تسهيل حركة الحكومة الأفغانية التابعة للحركة في المجتمع الدولي؟.
الروس على الجهة المقابلة، ليسوا غافلين عن كل ذلك، أحد أرفع الدبلوماسيين الروس، قال إن بلاده تعتبر أي تسليم للأسلحة الغربية لأوكرانيا "عملاً عدائيًا إن لم يكن عملاً من أعمال الحرب الفعلية".. وبالتالي فهذا إعلان روسي صريح أن أي سلاح غربي سيدخل أوكرانيا سيكون هدفا لها، للتدمير أو حتى للإستيلاء عليه.
لذا، فبدلاً من إرسال المعدات جواً ، ما يعرضها في أبسط الفروض للإجبار على العودة بضغط المقاتلات الروسية، وفي أسوء السيناريوهات للتدمير الفعلي، وأصلا لسهولة رصد أجهزة الرادارات سواء الأرضية أو الخاصة بالمقاتلات الروسية لطائرات الشحن التي تتصف بضخامة الحجم.
لكل هذه الأسباب، يتعين على الدول الغربية الآن إرسال الأسلحة برا من أراضي الدول الأعضاء في حلف الناتو من جيران أوكرانيا الغربيين.
عند التنفيذ الفعلي، لم تكن كل الدول من أعضاء الناتو على استعداد لتحمل هذا الخطر. على سبيل المثال رفضت حكومة المجر، قائلة إن "مثل هذه الشحنات قد تصبح أهدافًا لعمل عسكري معادٍ".
لدي الروس سابقة مماثلة، فخلال الاحتلال السوفيتي لباكستان في الثمانينيات ، قصفت الطائرات السوفيتية معسكرات تدريب من كانوا يسموا حينها (المجاهدين) التي كانت مقامة داخل باكستان وبالتحديد على حدودها مع أفغانستان، كما تكررت عمليات مداهمة هذه المعسكرات بواسطة القوات السوفيتية.
أيضًا يتهم جواسيس روس بتفجير مستودعات بلغارية مليئة بالأسلحة المتجهة إلى أوكرانيا في عام ٢٠١٥.
لنضع في اعتبارنا أيضًا أن هناك بعض نوعيات الأسلحة التي تحجم الدول عن تسليمها لأوكرانيا حتى لا تحك أنف الروس.
ففي الأول من مارس ، تراجعت بلغاريا وبولندا وسلوفاكيا عن خطة الاتحاد الأوروبي للتبرع بطائرات مقاتلة للقوات الجوية الأوكرانية ، برغم أن هذه المقاتلات سوفيتية الصنع وقديمة وليست ذات تأثير حيوي في المعارك الجوية الحديثة.
كيف تصل الأسلحة الغربية إلي أوكرانيا:
برغم كل ما سبق، فمنذ بدء القتال ، استمرت الأسلحة في التدفق إلي أوكرانيا منذ بدء الحرب كما يقول المسؤولون الغربيون.
بولندا هي الخيار المثالي لذلك بفضل حدودها المشتركة مع أوكرانيا والتي تصل إلي طول ٥٣٥ كيلومترًا (٣٣٢ ميلًا)، فحتى لو رغبت سلوفاكيا، على سبيل المثال ، في المساعدة فإن الطريق عبر حدودها ليس طريقًا سهلاً بسبب جغرافية سلاسل الجبال التي تبدأ من سلوفاكيا إلى أسفل عبر رومانيا، ولكن عدم سهولة الطريق لا تنفي الاعتماد عليه، كطريق قد يكون أكثر أمنا بسبب استبعاد الروس له، كما ستمنح الجبال تغطية طبيعية للقوافل وهي تتحرك عبرها.
خريطة أوكرانيا وتظهر بولندا في الشمال الغربي، من هنا تأتي الأسلحة الغربية إلي أوكرانيا، Peter Fitzgerald، GNU Free Documentation License, Version 1.2، via Wikimedia commons. |
تفاصيل هذه الشحنات تبقي سرية في معظمها، لكن أحد الطرق الرئيسية الذي يمر عبر الحدود البولندية الأوكرانية، تعبر من خلاله الإمدادات القادمة من ألمانيا وأمريكا ودول أخرى.
هذا الطريق يحمل مشاهد تختصر الحرب كلها، فعليه يفر النساء والأطفال من أوكرانيا، وفي الجهة المقابلة تدخل البنادق والصواريخ.
عند دخول شحنات الأسلحة، لا تدخل عبر قوافل كبيرة، ببساطة لأن القوافل ستجذب نظر الروس، وسيصعب إخفائها، ما يجعلها عرضة للهجوم والتدمير بواسطة القوات الروسية.
ينشط الروس على الحدود البولندية مترصدين هذه الشحنات، بداية من أقمارهم الصناعية، طائراتهم المروحية، وحتى جواسيسهم على الأرض.
المشكلة الأكبر من دخول الأسلحة أو عدمه، فإن هناك دائما فرصة للخطأ يؤدي إلى التصعيد، لنتخيل معا احتمال أن تخطئ قنابل طيار روسي الشاحنات التي تنقل الأسلحة، وبدلا من سقوطها في الأراضي الأوكرانية سقطت في بولندا، الدولة العضو في حلف الناتو، ما يمثل اعتداء على الحلف بأكمله.
ما يزيد من خطورة هذا الاحتمال، أن القوات الجوية الروسية تستخدم بالفعل قنابل غير موجهة، وأظهرت الحرب أن لدي الروس نقص واضح في ذخائر الطائرات الموجهة بدقة PGMs، بخلاف نقص عدد الطيارين المدربين على استخدامها بشكل احترافي، ويمكنكم في هذا الصدد ، الإطلاع على تقريرنا: (هل أظهرت الحرب في أوكرانيا ضعف سلاح الجو الروسي).
هذا السيناريو قد يصعد الحرب الإقليمية الدائرة بين أوكرانيا وروسيا حاليا إلي حرب عالمية، تنخرط فيها جميع الدول من أعضاء الناتو الآخرين.
تقول وزارة الخارجية الروسية إن الدول التي تقوم بتسليح أوكرانيا "لا يمكنها إلا أن تفهم درجة الخطر التي تقدم عليها" . لكن يبدو أن موردي الأسلحة لأوكرانيا يمتلكون شجاعة تحدي روسيا ولو جزئيا على الأقل.