أزمة الصواريخ الكوبية ، أو أزمة الكاريبي، هي أزمة كادت تدفع العالم إلي حرب نووية مدمرة بين أكبر قوتين على وجه الأرض يومها، الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي.
لثلاثة عشر يومًا في أكتوبر ١٩٦٢، وقف العالم خلالها على شفا حرب نووية، في أكثر مراحل الحرب الباردة توترا وقلقا وإثارة للخوف.
العناية الإلهية تدخلت لمنع الأحداث من التدهور، وبأعجوبة وكتاب يسمي البنادق في أغسطس The Guns of August، نجا العالم من كارثة محدقة.
اعتمدت المعرفة للدراسات في تقريرها، على مصادر روسية، وعلى وثائق أمريكية سرية كشف عنها النقاب أرشيف الأمن القومي الأمريكي (NSA)، وعلى توثيق وزارة الخارجية الأمريكية، وموقع الرئيس الأمريكي جون كينيدي.
غزو خليج الخنازير:
تقول الحقيقة الجغرافية، أن جزيرة كوبا لا تبعد عن ساحل ولاية فلوريدا الأمريكية إلا ٩٠ ميلا فحسب.
بينما تقول الحقيقة التاريخية أنه وحتى عام ١٩٥٩، كان الديكتاتور اليميني الجنرال باتيستا يحكم كوبا، وتجمعه علاقات مميزة مع الأمريكيين الذين استثمر رجال أعمالهم في كوبا بكثافة، كما كانت أمريكا هي أكبر مستهلك للسكر والتبغ الكوبي.
لكن (فيدل كاسترو) الذي أطاح بحكم الجنرال باتيستا في عام ١٩٥٩، واجه ما يراه الكثيرون في يومنا هذا، غباء سياسيا منقطع النظير من الرئيس الامريكي حينها أيزنهاور، والذي رفض التحدث معه.
استغل السوفييت ذلك، قرروا دعم فيدل كاسترو، والتواجد بالقرب من الحدود الأمريكية.
وفي مقابل دعمهم له، تبني كاسترو نظام حكم شيوعي بالقرب من حدود الولايات المتحدة، كما قام بتأميم جميع الشركات المملوكة لأمريكا في كوبا، ورفض دفع تعويضات.
وفي مايو ١٩٦٠، وعد رئيس الوزراء السوفيتي في ذلك الوقت (نيكيتا خروتشوف) كوبا بأن بلاده ستدافع عنها، بعد تزايد الضغوطات الأمريكية عسكريا ودبلوماسيا واقتصاديا على الحكومة الكوبية.
لكن وفي أبريل/نيسان عام ١٩٦١، وافق الرئيس الأمريكي الجديد جون كينيدي على خطة لغزو كوبا والإطاحة بحكم فيدل كاسترو، عرفت الخطة باسم غزو خليج الخنازير.
هجوم مضاد من قبل القوات المسلحة الثورية الكوبية التابعة لفيدل كاسترو بدعم من دبابات T-34 بالقرب من بلايا جيرون أثناء غزو خليج الخنازير ، ١٩ أبريل ١٩٦١. |
بإشراف المخابرات المركزية الأمريكية، هبط ١٤٠٠ من المنفيين الكوبيين في خليج الخنازير، الواقع على الساحل الجنوبي لكوبا بهدف إثارة انتفاضة مناهضة للشيوعية.
وفي معركة لم يقدم فيها الأمريكيين الدعم الجوي الذي وعدوا به المهاجمين، لم يكن هناك نتيجة بديلة عما حدث، لقد سحقتهم قوات فيدل كاسترو البالغ عددها ٢٠ ألفا. وانتهي غزو خليج الخنازير بهزيمة مذلة للمخطط الأمريكي. لكن هذا الغزو الفاشل ولد للعالم أزمة أخطر بكثير، أزمة الصواريخ الكوبية.
الصواريخ السوفيتية في كوبا:
كان السبب الرئيسي للأزمة، والذي حملت اسمها منه، هو نشر الاتحاد السوفيتي للصواريخ في كوبا، الدولة القريبة من الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، كنوع من التطمين والضمان لنظام فيدل كاسترو الذي كان يشعر أن الولايات المتحدة تترصد له ولن تتوقف حتى تطيح به ونظام حكمه كله، وكان الغزو الفاشل لخليج الخنازير لا يذهب أبدا عن باله.
وفي سبيل تحقيق الوعد السوفيتي السابق بحماية كوبا، وفي سبيل الرد على نشر أمريكا لصواريخها النووية في تركيا وإيطاليا، قرر خروتشوف نشر قوات سوفيتية في جزيرة كوبا، من ضمنها قوة صاروخية تحمل الاسم الرمزي "أنادير" Anadyr"، والمسلحة بصواريخ باليستية سوفيتية متوسطة المدى في كوبا التي تبعد ٩٠ ميلاً فقط من الولايات المتحدة، مما يعطيها القدرة على ضرب أي مكان في أمريكا بالسلاح النووي في غضون وقت قصير للغاية.
تكونت القوة الصاروخية السوفيتية من ثلاثة أفواج من صواريخ R-12 متوسطة المدى (عدد ٢٤ قاذفة) وفوجين من صواريخ R-14 (عدد ١٦ قاذفة) - ما مجموعه ٤٠ قاذفة صواريخ بمدى صواريخ من ٢،٥ إلى ٤ ، ٥ آلاف كيلومتر. وحملت القوة "أنادير" Anadyr"، رقم موحد هو 51، بعدما تشكلت من خمسة أفواج صواريخ.
كان يمكن أن يصل إجمالي الإمكانات النووية للقوة أنادير في الإطلاق الأول لها إلى ٧٠ ميغا طن. وبشكل إجمالي كان يمكنها تدمير المنشآت العسكرية الإستراتيجية في جميع أنحاء أراضي الولايات المتحدة تقريبًا.
كانت كوبا إذن المكان المناسب من وجهة نظر خروتشوف للرد السوفيتي على نشر أمريكا صواريخ باليستية متوسطة المدى من طراز PGM-19 Jupiter مزودة برؤوس نووية في تركيا خلال عام ١٩٦١، حيث تم تركيب ١٥ من هذه الصواريخ أحادية المرحلة التي تعمل بالوقود السائل في خمسة مواقع إطلاق حول مدينة إزمير التركية.
وبينما تم إجراء صيانتها من قبل المتخصصين الأتراك ، لكن الرؤوس الحربية النووية للصواريخ تم التحكم فيها وتجهيزها من قبل أفراد الجيش الأمريكي. كان لهذه الصواريخ البالستية العابرة للقارات القدرة على أن تصيب أهدافًا تقع على مسافة تصل إلى ٢،٥ ألف كيلومتر، وكانت قوة شحنتها النووية قرابة واحد ونصف ميغا طن.
بقدرة تجهيزها للإطلاق في غضون ١٥ دقيقة، وزمن طيران ١٠ دقائق فحسب، كانت أمريكا تستطيع توجيه ضربة نووية للأجزاء الغربية في الاتحاد السوفيتي خلال أقل من نصف ساعة، ولذا كانت كوبا فرصة ذهبية للرد السوفيتي لا يمكن تفويتها.
استغرق الأمر نحو شهرين حتى تتسرب للولايات المتحدة في شهر يوليو معلومات تفيد بأن السوفييت قد بدأوا بالفعل في إرسال شحنات الصواريخ الباليستية إلي كوبا، وأن هناك أسلحة سوفيتية من أنواع أخرى بدأت تتكدس في كوبا، بما في ذلك قاذفات القنابل السوفييتية IL-28.
وبحلول ٢٩ أغسطس ، كانت طائرات التجسس الأمريكية طراز U-2، والتي تم الدفع بها للتحليق فوق كوبا، قد التقطت بالفعل صور لإنشاءات عسكرية ومواقع صواريخ جديدة ووجود فنيين سوفييت.
وفي ١٤ أكتوبر، تغيرت المعادلة تماما عندما التقطت طائرة التجسس U-2 التي كان يقودها الرائد طيار ريتشارد هايزر أثناء مروره فوق كوبا على ارتفاعات عالية، التقطت صور صاروخ باليستي سوفيتي متوسط المدى من طراز SS-4 يتم تجميعه للتركيب في موقع الإطلاق في كوبا.
لم يقبل الأمريكيين أبدا أن ينشر الاتحاد السوفيتي صواريخ مسلحة برؤوس نووية في كوبا.
وهكذا، وبدء من ١٤ أكتوبر ١٩٦٢، ولثلاثة عشر يوما، حبس العالم أنفاسه، والناس تشاهد الزعماء السياسيين والعسكريين الأمريكيين والسوفيت في مواجهة شديدة التوتر، لكن جذور الأزمة وقعت قبل ذلك ببعض الوقت، بالتحديد في خليج الخنازير كما أسلفنا.
إدارة الأزمة:
تمثل أزمة الصواريخ الكوبية ١٩٦٢ ، مثالا هاما للغاية في شرح كيفية إدارة أزمة على أعلي مستوي بين القوى العظمي.
في البداية بدأت أزمة الصواريخ الكوبية بسوء تقدير مشترك من الطرفين، كما كانت الاتصالات بين الجانبين سيئة، لكنها انتهت بخلق قنوات اتصال مباشرة بين الجانبين استطاعا من خلالها الوصول إلي حل.
على سبيل المثال، نجد أن وزارة الخارجية الأمريكية تقول في تأريخها للأزمة، أنها قد سارت بشكل أساسي على مستوى البيت الأبيض والكرملين، بين الرئيس كينيدي و الزعيم خروتشوف، مع القليل من التدخلات من المؤسسات في البلدين، والتي عادةً ما تتدخل بشكل كبير في عملية السياسة الخارجية.
في البداية، وفي ١٦ أكتوبر ١٩٦٢ -الذي يعد رسميا هو يوم بداية أزمة الصواريخ الكوبية- أمضي الرئيس جون كينيدي ومستشاروه يومهم في حالة من الذهول، وهم يتلقون التقارير التي أصبحت مؤكدة بصور لا تقبل الشك، الاتحاد السوفيتي يقوم بتركيب صواريخ باليستية متوسطة المدى في كوبا.
فبرغم أن كينيدي كانت لديه ومنذ ٤ سبتمبر ١٩٦٢، تقارير تفيد بأن السوفييت يقومون بإرسال شحنات أسلحة إلي كوبا، فلم يدر في خلد أحد أن تصل الأمور إلي مسألة نشر صواريخ نووية.
أدرك الرئيس كينيدي أن هذه الأسلحة هجومية، ومع تركيب رؤوس نووية عليها، فإنها ببساطة تشكل تهديدًا وجوديًا لأمريكا، لقد كانت موسكو تناور بشكل أجبر الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي على الوقوف على شفا حرب نهاية الكوكب التي يسميها البعض في كتبهم الدينية (هرمجدون).
في البداية، لم يرد الرئيس الأمريكي أن يعرف الاتحاد السوفيتي وكوبا أنه اكتشف الصواريخ. التقى سرا مع مستشاريه لعدة أيام لمناقشة المشكلة، واستمر الأمر في طي الكتمان لنحو أسبوع.
البنادق في أغسطس:
مثلت أزمة الصواريخ الكوبية ١٩٦٢ ردا على كل المتنطعين الذين يقللون من أهمية قراءة التاريخ والتعلم منه، الغير مدركين أن اليوم هو إنعكاس للأمس، وأن غدا بشكل كبير يستمد أحداثه من فعاليات اليوم.
من المؤسف أنه وحتى يومنا هذا لم تقرر أي دار نشر عربية ترجمة وطبع نسخة عربية من كتاب البنادق في أغسطس، أحد أهم الكتب السياسية والاستراتيجية عالميا، Nathan Hughes Hamilton، (CC BY 2.0)، via Flickr. |
في تلك اللحظات، تذكر الرئيس الأمريكي جون كينيدي كتابا قرأه ذات يوم، وأثار الخوف في نفسه أن تتكرر ذات الأحداث التي قرأها فيه.
نتحدث هنا عن كتاب البنادق في أغسطس The Guns of August، للكاتبة الأمريكية (باربرا توكمان)، والذي يعد أهم كتاب تناول فترة ما قبل الحرب العالمية الأولى والأحداث التي أدت إليها، بخلاف الشهر الأول من الحرب.
تذكر كينيدي كيف قرأ في البنادق في أغسطس أن سوء الإتصالات بين زعماء العالم حينها، وتقدير المواقف والحسابات بصورة خاطئة سببا في إندلاع أول الحروب العالمية.
طبع الرئيس الأمريكي عدة نسخ من (البنادق في أغسطس) ووزعها علي أفراد إدارته، وأمرهم بالاستفادة من الأخطاء التي يوضح الكتاب كيفية وقوعها واندلاع الحرب كنتيجة لها.
لقد أشار كينيدي والعديد من المعاصرين لتلك الواقعة في فترة ما بعد انتهاء أزمة الصواريخ الكوبية ، إلي الكتاب الذي كان مجرد كتابا عن الحرب العالمية الأولي ثم تصدر قوائم المبيعات حين صدوره، ليمتطي الجواد ويصبح جزء من التاريخ عندما شارك في حل الأزمة وإنقاذ العالم من جنون السلاح النووي.
الحجر البحري على كوبا:
في اجتماعات البيت الابيض، بدأ التفكير بعناية للبحث عن الإجابة عن سؤال ما هو رد الفعل الذي يجب أن تقوم به أمريكا؟.
تم استبعاد فكرة الغزو الأمريكي لكوبا التي اقترحها البعض في بداية المناقشات، والتفكير في بدائل أخرى، كان أولها (الضربات الجوية لمواقع الصواريخ)، لكن هذه الفكرة أيضًا لم يتم اعتمادها.
ومن ثم ظهر التفكير في حصار الجزيرة الكوبية، وبدأ المناورات الدبلوماسية للوصول إلي حل.
الرئيس الأمريكي جون إف كينيدي ، قرر أخيرا فرض "حجر بحري" على كوبا لمنع المزيد من شحنات الصواريخ السوفيتية من الوصول إلي كوبا، وإبقاء الوضع على ما هو عليه بدون زيادة في الحشد العسكري السوفيتي، ثم بدأ العمل السياسي لإخراج ما تم حشده بالفعل.
اختار كينيدي فرض حجر “quarantine" وليس “blockade”، لكي لا يظهر وكأنه يريد خنق كوبا، ويضمن التأييد الدولي لموقف بلاده كمدافع عن نفسها.
خرج كينيدي ليوجه خطابا تلفزيونيا للأمة الأمريكية في ٢٢ أكتوبر ١٩٦٢، في ذلك الخطاب، أخطر الرئيس جون كينيدي (١٩١٧-١٩٦٣) الأمريكيين بوجود الصواريخ ، وشرح قراره بفرض حصار بحري حول كوبا موضحا أن الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام القوة العسكرية إذا لزم الأمر لتحييد هذا التهديد المتصور للأمن القومي الأمريكي.
مواطنين أمريكيين يستمعون لخطاب رئيسهم جون كينيدي وهو يخبرهم أنهم قد أصبحوا داخل مرمي الصواريخ النووية للاتحاد السوفيتي. |
كان خطاب كينيدي أيضا موضحا لقراره للاتحاد السوفيتي، بجانب الرسالة الرسمية التي أرسلها لخروتشوف ، وظهر ذلك على مسرح الأحداث فورا.
البحر كان هو مسرح الأحداث وقتها، لقد بدأت السفن السوفيتية في الإبحار تجاه مناطق الحجر البحري حيث يتواجد الأسطول الأمريكي حول كوبا، وبدا وكأن السوفييت غير عابئين بها، لكن وقبل اللحظات الحاسمة، توقفت السفن السوفيتية.
وخلال الأيام التالية، غيرت السفن السوفيتية المتجهة إلي كوبا مسارها بعيدًا عن منطقة الحصار البحري التي تتواجد بها قطع البحرية الأمريكية، وبدا وكأن الأمور قد توقفت عن التدهور على الأقل.
وسط هذا التوتر الشديد، بدأ كينيدي ومستشاريه في تطبيق ما قرأوه في كتاب البنادق في أغسطس Guns of August، بالتواصل مع خروتشوف ذاته، فمهما كان التوتر لا ينبغي قطع الاتصال، لأن الطريقة الوحيدة لحل المشكلة هو التواصل مع من ثارت معه، وإلا فإن كل احتمالات سوء التفسير والخطوات الناتجة عنه مفتوحة على مصراعيها.
كان هناك محددات رئيسية في التواصل مع السوفييت وضعها الرئيس كينيدي بالتعاون مع مساعديه، بداية من تجنب القيام بأي أعمال استفزازية، وتقييم كل الإجراءات السوفيتية بدقة.
عن تلك الفترة، يقول مساعد كينيدي الخاص آرثر شليزنجر جونيور بأن "الرئيس جمع مزيجا من الصلابة وضبط النفس والإرادة والأعصاب والحكمة، متحكما في كل هذا ببراعة بشكل لا مثيل له، أبهر العالم ".
انتهاء أزمة الصواريخ الكوبية:
نتيجة لهذه الاتصالات، وفي ٢٨ أكتوبر ١٩٦٢، استلم الرئيس الأمريكي جون كينيدي رسالة من خروتشوف، قال فيها أن العمل في مواقع الصواريخ سيتوقف، والأهم من ذلك، أن الصواريخ الموجودة بالفعل في كوبا ستعاد إلى الاتحاد السوفيتي.
في المقابل ، تعهد كينيدي علنا بأن الولايات المتحدة لن تغزو كوبا أبدًا.
كما وعد كينيدي سرًا بسحب الصواريخ المسلحة نوويًا التي كانت الولايات المتحدة قد نشرتها في تركيا في السنوات السابقة للأزمة.
في الأسابيع التالية، بدأت القوتان العظميان في الوفاء بوعودهما ، وانتهت الأزمة تماما وتنفس العالم الصعداء بحلول أواخر نوفمبر.
الزعيم الشيوعي الكوبي ، فيدل كاسترو كان غاضبًا بشدة من تراجع السوفييت في مواجهة الإنذار الأمريكي ولكنه كان عاجزًا عن التصرف.
السفينة السوفيتية براتيك في طريق عودتها من كوبا في ٩ نوفمبر ١٩٦٢ بصاروخين على ظهرها بعد سحب الصواريخ من كوبا، By Unknown / NTB Scanpix. |
لقد شكلت أزمة الصواريخ الكوبية ذروة فترة العداء الحاد في العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.
كما كانت الأزمة أيضًا أقرب نقطة شهدها العالم على الإطلاق في حرب نووية عالمية. ومن المعتقد عمومًا أن تراجع السوفييت في كوبا لعب دورًا مهمًا في سقوط خروتشوف من على رأس السلطة بعد أقل من عامين في أكتوبر ١٩٦٤، وفي تصميم الاتحاد السوفيتي على تحقيق التكافؤ مع الولايات المتحدة في الأسلحة النووية على الأقل.
هناك وجهات نظر أمريكية تنتقد الحديث عن أي دور إيجابي للرئيس كينيدي وإدارته في أزمة الصواريخ الكوبية، وتذهب لهذا الرأي لأن هذه الإدارة نفسها تتحمل جزءًا كبيرًا من المسؤولية عن اندلاع أزمة الصواريخ الكوبية، وضللت الشعب الأمريكي وأخفت عنه حقيقة حملة خليج الخنازير، وغيرها من التهديدات وحملات التخريب التي نفذتها للإطاحة بحكومة كاسترو في كوبا، فهي من تسببت بتصرفاتها في جلب السوفييت وخلق الأزمة أصلا.
الغزو الروسي لأوكرانيا:
يستشهد الكثير من المحللين الذين يتبنون وجهة النظر الروسية في الحرب الدائرة حاليا في أوكرانيا منذ ٢٤ فبراير ٢٠٢٢ (كتب هذا التقرير بتاريخ ٢٠ مارس ٢٠٢٢)، بأزمة الصواريخ الكوبية، في تبرير الهجوم الروسي.
ذلك لأن من بين أهم الأسباب التي تبنتها روسيا في تبرير هجومها على أوكرانيا، هو ما يمثله إنضمام دولة أوكرانيا اللصيقة بروسيا لحلف الناتو من تهديد للأمن الروسي، خصوصا إذا ما صاحبه نية امتلاك أسلحة نووية.
يري الروس أن أمنهم القومي سيضرب في الصميم إذا ما تحولت أوكرانيا التي كانت ذات يوما جزءا من العمق السوفيتي لدولة حليفة للغرب، ووقفت جيوش الناتو على حدودها التي تبعد مئات الكيلومترات فحسب عن العاصمة موسكو ، ويركزون في كل مباحثاتهم مع الجانب الأوكراني على مبدأ حياد أوكرانيا الذي تلتزم بموجبه كييف بعدم الإنضمام للناتو.
لقد سحب السوفييت صواريخهم من كوبا من أجل السلام العالمي، واليوم يريدون أن يجبروا الناتو على الإنسحاب من أوكرانيا من أجل السلام أيضًا، بعدما رفض الناتو أن يرد الجميل ويجنح للسلام والابتعاد عن أوكرانيا. أو هكذا يقول الروس.