بالأمر الملكي رقم (أ/٣٧١) بتاريخ ٢٤ /٦/ ١٤٤٣هـ، قرر الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، أن يكون يوم ٢٢ فبراير من كل عام يوماً لذكرى تأسيس الدولة السعودية، باسم (يوم التأسيس)، ويصبح إجازة رسمية في المملكة.
الدرعية، من هنا انطلقت الدولة السعودية الأولى، صورة من الموقع الرسمي للسياحة السعودية. |
الملك سلمان، أوضح في أمره الملكي سبب اختياره لهذا اليوم ليكون يوما لذكرى تأسيس الدولة السعودية بأن منتصف عام ١١٣٩ه، هو الموافق لشهر فبراير من عام ١٧٢٧م، وهو بدء عهد الإمام محمد بن سعود وتأسيسه للدولة السعودية الأولى قبل ثلاثة قرون.
فمن يكون الإمام محمد بن سعود، وقصة الدولة السعودية الأولى التي أسسها في القرن الثامن عشر... للإجابة على هذا السؤال جمعنا عددا من المصادر العربية والانجليزية وكذلك التركية، باعتبار قيام الدولة السعودية الأولى قد حدث في ظل وجود الدولة العثمانية في بلاد العرب في ذلك الوقت.
الجذور:
بحسب المصادر التركية فإن المصادر التاريخية ترجع نسب الإمام محمد بن سعود إلي قبيلة (عنزة)، وهي قبيلة من أعرق القبائل العربية العدنانية وأكثرها أصالة.
وما يؤكد نسب الإمام محمد بن سعود إلي قبيلة عنزة، هو هذا الفيديو للملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود والذي تحدث فيه في لقاء تلفزيوني عندما كان يشغل منصب أمير الرياض، ذاكرا أن آل سعود يعود نسبهم إلي قبيلة عنزة من الدروع من قبيلة بني حنيفة.
وتتفق المصادر التركية مع ما قاله الملك سلمان أيضًا بأن (مانع المريدي) هو الجد الأول لعائلة آل سعود. وبصورة عامة تقول المصادر التركية أن فترة ما قبل (مانع المريدي) لا يوجد في مصادرها ذكر كبير للأسرة.
كما لا تختلف هذه الجذور عما هو مذكور في الموقع الرسمي لوزارة الخارجية السعودية، بخصوص نسب آل سعود.
إذ يذكر الموقع أن أسرة آل سعود تنحدر من قبيلة بني حنيفة العربية القديمة، والتي تنتمي إلى بني بكر بن وائل الذي ينحدر من فرع الربيعة الكبير، وهو مجموعة قبائل عدنانية عاشت تاريخياً في نجد.
موسوعة (مقاتل من الصحراء) التابعة للأمير خالد بن سلطان بن عبد العزيز آل سعود، تذكر نسب الإمام محمد بن سعود تفصيليا فهو محمد بن سعود بن محمد بن مقرن بن مرخان بن إبراهيم بن موسي بن ربيعة بن مانع بن ربيعة المريدي من بني حنيفة من قبائل بكر بن وائل.
الدرعية:
الدرعية، هي اسم مقتبس من (الدروع) وهي تسمية أولاد عم (مانع المريدي) الذين كانوا يعيشون في منطقة الرياض في تلك الفترة، فسميت الدرعية تيمنا بهم، وفي هذا تتفق أيضًا المصادر التركية مع الفيديو الذي تحدث فيه الملك سلمان.
وبحسب مصادر تاريخية سعودية، فإن تاريخ منطقة الدرعية يعود للعام ٤٣٠م أي في فجر الإسلام، عندما استقرت قبيلة بني حنيفة التي ينتسب إليها آل سعود في نجد الشرقية، على ضفاف وادي الأرض الذي سمي فيما بعد (وادي حنيفة)، كما عرف ايضا باسم (وادي اليمامة).
فيديو من دارة الملك عبد العزيز يتحدث عن الإمام محمد بن سعود.
وكان مانع المريدي قد انتقل هو وأبنائه من القطيف حيث كانوا يعيشون إلي الدرعية بناء على دعوة ابن عمه الذي كان ذا نفوذ وسطوة في منطقته حينها، واستقبلهم وكان اسمه (على بن درع) استقبالا حسنا وأعطاهم المليبيد وغصيبة ليعيشوا فيها، وهناك أقاموا الدرعية.
استغل مانع المريدي وأبناءه الدرعية استغالالا متميزا أظهروا فيه استعدادهم الفطري للتنمية والعمران، فالدرعية التي كانت تمتاز بوفرة المياه، سرعان ما أعادوا بنائها وعمروها واشتغلوا كذلك بالزراعة، واستقرت فيها الحياة وبدأت في النماء.
وفي الدرعية أيضا، بدأ أبناء وأحفاد مانع المريدي يتاورثون الحكم فيها، وبرغم أنهم لم يقيموا دولة، فإنهم قد أسسوا فيما بينهم نظام توارث الحكم، فاكتسبوا ملمحا من ملامح المملكة التي ستولد ذات يوم.
البدايات:
بحسب بعض المصادر، فقد ولد الإمام محمد بن سعود في العام ١٠٩٠ ه، لوالده الأمير سعود الأول، وإن كانت موسوعة (مقاتل من الصحراء) تنفي وجود أي إشارة تاريخية لسنة ميلاد الإمام محمد بن سعود بشكل دقيق، لكن وبإحتساب أن عمره حين وفاته عام ١١٧٩ه، كان يقدر بنحو خمسة وسبعين سنة، فإنه يكون من مواليد العام ١١٠٤ه.
وبذلك يكون جده الأمير محمد بن مقرن، والذي كان حاكما للدرعية حتى وفاته عام ١١٠٦ه، قد رأي حفيده لنحو عامين، حفيده الذي سيضع دعائم دولة أسرتهم الأولى.
ووصل حكم الدرعية لوالده في العام ١١٣٢ه، وجعله والده في صدارة المقربين إليه، وشارك معه في شئون الحكم والحرب، وكانت أهم المعارك التي خاضها الإمام محمد بن سعود في عهد والده، التصدي لهجوم شنه (سعدون الخالدي) وكان أمير الأحساء والقطيف على الدرعية.
وقد تولى الإمام محمد بن سعود الحكم في الدرعية في نجد، وكانت عاصمة حكم آل سعود، وهو يومئذ شابا في الثلاثين من عمره.
وكان تولي الإمام محمد بن سعود الحكم في الدرعية نقطة تحول حقيقية في تاريخ شبه الجزيرة العربية، بداية من أن آل سعود أنفسهم انتظموا في تنظيمهم لصفوفهم بانتقال الإمارة من الاب إلي الأبن بعدما كانت تنتقل بغير انتظام، ما كان يجعل الأمور تضطرب أحيانا.
النقطة الثانية هو التغير الذي حدث في الاسم، بتحول (آل مقرن) إلي (آل سعود) نسبة لوالده الأمير سعود الأول، ومنذ ذلك اليوم أصبح لقب آل سعود هو اللقب الرسمي للعائلة.
من الدرعية انطلق الإمام محمد بن سعود ليغير تاريخ شبه الجزيرة العربية، وينشئ الدولة السعودية التي تواصل الحياة حتى وإن تقطعت أحيانا لأكثر من ٣٠٠ عام.
ظروف تأسيس الدولة السعودية الأولى:
في كتاب (الإمام محمد بن سعود.. دولة الدعوة والدعاة) والذي اعتني بإصداره وكتب مقدمته، عبد ﷲ بن عبد المحسن التركي، وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والارشاد سابقا، كما كان عضو في هيئة كبار العلماء في السعودية. وأمين عام سابق لرابطة العالم الإسلامي، ومستشار في الديوان الملكي السعودي.
في هذا الكتاب نجد عرضا تاريخيا للظروف التي نشأت فيها الدولة السعودية الأولى على يد الإمام محمد بن سعود، كما استعنا كذلك في التأريخ لتلك الفترة بما نشرته وزارة الخارجية السعودية.
ففي بداية القرن الثامن عشر كانت شبه الجزيرة العربية تعاني آثار ضعف الدولة العثمانية، وارتخاء سيطرتها عليها.
عمت الفوضي، وغاب الاستقرار السياسي، ويجمع المؤرخين أن الوضع الاجتماعي والسياسي في تلك الفترة كان مفككا، وسادت حالة من إنعدام الأمن، كما انتشرت الإمارات المتنافسة على الحكم.
وفي نجد، حيث الدرعية، وحيث الإمام محمد بن سعود، كانت الأمور تتدهور، والأمن والأمان يغيبان، ومجموعة من الأسر تتنافس على فرض نفوذها في المنطقة، والثأر بين الناس لا يتوقف، والدماء تسيل أنهارا، والحكام المتنازعين لا هم لهم إلا السلب والنهب.
ويستشهد الكتاب بما قاله المؤرخ النجدي (ابن بشر) عن تلك الفترة: (ورؤساء البلدان وظلمتهم لا يعرفون إلا ظلم الرعايا والجور).
وبغير ما قاله ابن بشر، فإن الحكم قد وصل إلي الإمام محمد بن سعود بعد مقتل حاكم الدرعية السابق له، وهو (زيد بن مرخان) في الحرب بين الدرعية والعيينة، في كمين اعده (ابن معمر) لزيد بن مرخان، ومعه عدد من الأعيان والمشائخ كانوا من مكونات مختلفة في حلف الدرعية، أبرزها آل سبيع وآل كثير... ما يكشف لنا عدم تورع بعض المتنافسين على الحكم في هذه المنطقة عن فعل أي شيء ولو كان القتل غدرا.
ولما كانت سنن الطبيعة أنه عندما يسود الظلم ويعم كالليل البهيم، يقيض ﷲ أمورا وأشخاص، ليقيموا العدل ويمحون الظلم.
يأتي العام ١١٣٩ ه / ١٧٢٧، ويتولي الإمام محمد بن سعود إمارة الدرعية، وكانت من أهم خطواته في حكمه هو تأمين الدرعية ذاتها من أي غارات أو هجمات قد يتعرض لها أهلها.
في سبيل ذلك، تم بناء سور الدرعية عام ١١٧٢ه الموافق ١٧٥٨م، وتكون من سورين متوازيان من الطين، وبهما مجموعة من الأبراج لأغراض الحراسة والدفاع.
جهود الإمام محمد بن سعود في تأسيس الدولة السعودية الأولى:
إن المحددات التي جعلت التاريخ يصنف ما قام به الإمام محمد بن سعود باعتباره تأسيس لدولة حقيقية تتمثل في عدة نقاط.
فنشر الأمن وخصوصا في طريق الحجاج والتجارة كان أحد أهم مظاهر إعلان وجود دولة قادرة ومتحكمة تستطيع فرض الأمن ومنع المجرمين أو حتى مثيري القلاقل من الظهور.
كما قامت هذه الدولة ببسط سلطانها على مساحات كبيرة كانت خارجة عن نفوذ آل سعود في الدرعية، ما كان يعني أن هناك جهد لتوحيد هذه الأرض، ووقف النزاعات فيها.
وقد حكم الإمام محمد بن سعود لمدة أربعين عاما، مد خلالها نفوذ دولته إلي منطقة حاير سبيع بإستثناء الرياض، وشمالا إلي منطقتي الشعيب والمحمل إلي جلاجل، كما توسع غربا حتى وصل القويعية ومنطقة الوشم، وبذلك يكون قد وحد معظم الأجزاء الوسطي من نجد تحت راية الدولة السعودية الأولى.
الأساس الديني:
بشكل كامل، كان تحركات الإمام محمد بن سعود، وكل من جاء بعده من آل سعود، مستوحاه من الدين الإسلامي، وكانت الشرعية الأساسية الحكم بكتاب ﷲ، وبسنة النبي صلى ﷲ عليه وسلم.
فالدين هو قلب الثقافة السياسية والاجتماعية في شبه الجزيرة العربية، فهي مهبط الوحي وأرض الرسالة، وتاريخيا ظل الدين أهم موضوع في حياة هذا المجتمع.
لذا كان من الطبيعي التحالف الذي حدث بين الإمام محمد بن سعود، وبين الشيخ محمد بن عبد الوهاب، إنه التحالف الذي استمر طويلا وظل في قلب الدولة السعودية على الدوام، فحمي الإمام محمد بن سعود دعوة الشيخ بن عبد الوهاب، والتي ارتكزت أساسا حينها على محاربة البدع والشرك.
لكن من المهم هنا أن نستمع لوجهة نظر نعتبرها مهمة وتجديدية في قراءة تاريخ تأسيس الدولة السعودية الأولى، والتي طرحها الصحفي السعودي (زياد الفيفي) في مقال نشره عبر موقع (اندبندنت عربية) بعنوان (السعودية تستعيد ١٧ عاماً من عمرها أخفتها الرواية الدينية).
الفيفي يري أن قرار الملك سلمان بتحديد ٢٢ فبراير كذكرى تأسيس الدولة السعودية، باسم (يوم التأسيس)، يعد بمثابة قراءة جديدة لتاريخ تأسيس الدولة السعودية الأولى، إذ يسبق هذا التاريخ تاريخ لقاء الإمام محمد بن سعود مؤسس الدولة، بالشيخ محمد بن عبد الوهاب بما يقارب عقدين من الزمن.
محمد الفيفي ذهب إلي أن قرار الملك سلمان بتحديد موعد ٢٢ فبراير ١٧٢٧ كتاريخ لتأسيس الدولة السعودية الأولى، يلغي القراءة التاريخية التي كانت تعتبر اتفاق الدرعية بين الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب، هي لحظة تأسيس الدولة السعودية الأولى.
ويستشهد بما كتبه عبد الرحمن العريني، وهو أكاديمي وباحث سعودي، في كتابه (الإمام محمد بن سعود وجهوده في تأسيس الدولة السعودية الأولى)، والذي يقول عنه الفيفي أنه نجح في وضع السياق التاريخي لتأسيس الدولة السعودية الأولى.
شكل لعلم الدولة السعودية الأولى، AbdulrahmanAH، (CC BY-SA 4.0)، via Wikimedia commons. |
يحدد العريني في كتابه تلك اللحظة بانتقال الحكم داخل الدرعية من آل وطبان بن ربيعة إلي (آل مقرن الذين اتخذوا اسم آل سعود بعد الإمام محمد بن سعود) بتولى الإمام محمد بن سعود حكم الدرعية عام ١٧٢٧، والتي شكلت انتقالا لحكم مستقر وتوافقي.
وفي فترة حكم الإمام محمد بن سعود، غادر معظم آل وطبان الدرعية، ما جعل المدينة تصبح كتلة واحدة تدين كلها لآل سعود، ومكنت الإمام محمد بن سعود من أن يمد ناظريه لما حوله من مشاكل وإضطرابات ليتعامل معها، ومن ثم ينطلق لتأسيس الدولة.
نظرة على تأسيس الدولة السعودية الأولى:
على الرغم من أن الدولة السعودية الأولى لم تدم طويلاً، فقد أرست أسس الدولة السعودية القائمة في المملكة العربية السعودية.
ويمكننا القول أن أهم نتائج الدولة السعودية الأولى كانت إثبات آل سعود وبرهنتهم على قدرتهم على الحكم وقيادة الدول، ونجاحهم في إرساء الوحدة والأمن في شبه الجزيرة العربية.
حكام الدولة السعودية الأولى:
تعاقب على حكم الدولة السعودية الأولى أربعة حكام، على مدار ٩٠ عاما كانت هي فترة حكم الدولة السعودية الأولى، كانوا هم:
- الإمام محمد بن سعود (١١٣٩ - ١١٧٩هـ / ١٧٢٧ - ١٧٦٥ م)
- الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود (١١٧٩ - ١٢١٨ هـ / ١٧٦٥ - ١٨٠٣ م)
- الإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود (١٢١٨ - ١٢٢٩ هـ / ١٨٠٣ - ١٨١٤ م)
- عبد الله بن سعود (١٢٢٩ - ١٢٣٣ هـ / ١٨١٤ - ١٨١٨ م).
سقوط الدولة السعودية الأولى:
جدارية من الرخام وضعت على تمثال إبراهيم باشا في العاصمة المصرية القاهرة، وتشمل المعارك التي قاد فيها الجيش المصرية بتواريخها، وتبدأ بالدرعية في ٧ ذو القعدة عام ١٢٣٣ ه، ٩ سبتمبر ١٨١٨. |
برغم من أن غياب العثمانيين وتراخي قبضتهم، كان أحد أهم الأسباب الداعية لقيام الدولة السعودية الأولى لملء الفراغ السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي المتخلف عن غياب دور الدولة.
برغم هذا، فإن الدولة العثمانية تحركت لوقف الإمام محمد بن سعود ودولته الوليدة، خصوصا مع سيطرتها على مكة والمدينة المنورة، وتنظيم أمورها، وتأمين سبل وطرق الحج.
وبعد تصدي الدولة السعودية الأولى لحملة والي العراق الذي تحرك بتكليف من الدولة العثمانية. كلف الباب العالي (محمد علي باشا) والي مصر بهذه المهمة، فسير جيشين كان أولهما بقيادة ابنه طوسون، والثاني بقيادة ابنه إبراهيم باشا، كما شارك بنفسه في هذه الحملة.
وبرغم المقاومة السعودية، فإن جيوش إبراهيم باشا قد دخلت إلي الدرعية بعدما سلم لهم عبد ﷲ بن سعود، لوقف نزيف الدم والخراب في الدرعية بفعل المدفعية التي كان يملكها جيش إبراهيم باشا، ومع ذلك فقد هدمت الدرعية وحرقت بشكل كامل.
أما عبد ﷲ بن سعود فقد تم نقله إلي مصر حيث تلقاه "محمد على باشا" بشكل طيب وخلع عليه خلعة ثمينة، وسلمه عبد ﷲ بن سعود بدوره نفائس الحجرة النبوية.
وبرغم تشفع محمد على باشا لعبد ﷲ بن سعود عند السلطان العثماني إلا أن الأخير عقد له محاكمة قررت إعدامه ونفذ فيه هذا الحكم.