حبات من دواء مولنوبيرافير، يمكن أن تصبح أول علاج مضاد لفيروس كورونا المستجد COVID-19 ، يأخذه المصاب عن طريق الفم كأي حبة دواء أخرى، لتقوم هي بمهمتها التي تتلخص في إجبار فيروس كورونا SARS-CoV-2 على تحوير نفسه بنفسه حتى الموت.
حبوب مولنوبيرافير ذات اللون البرتقالي القاتم، قد تكون سلاحا ماضيا ضد فيروس كورونا المستجد | MERCK & CO. / VIA REUTERS |
مولنوبيرافير، الذي يبدو إنه الدواء الذي انتظرته البشرية طويلا، تصفه كلية بلومبرج للصحة العامة بجامعة (جونز هوبكنز) في الولايات المتحدة الأمريكية بأنه الحبة التي ستغير قواعد اللعبة ضد فيروس كورونا المستجد COVID-19.
مميزات عديدة:
سيقدم دواء مولنوبيرافير، مميزات عديدة تحتاجها البشرية بشدة، سيصبح سلاحا جديدا يتسلح به العالم قريبًا لمكافحة وباء الفيروس التاجي.
نحن في حاجة ماسة إلي مضاد لفيروس كورونا المستجد COVID-19 ، سيعطينا ميزة أنه سهل الوصول، بحيث إذا مرض أحد بهذا الفيروس، فكل ما عليه أن يذهب للطبيب، يحصل علي الروشتة، يصرفها من الصيدلية، وانتهي الأمر.
سينهي مولنوبيرافير الجدل الدائر حول اللقاحات، فبوجود دواء، لن تحتاج الحكومات لتطعيم شعوبها بالكامل أو غالبيتهم علي الأقل، ولن تثور النقاشات حول مدى خطورة اللقاحات، وبوجود دواء ستعيد المجتمعات أنشطتها وحياتها بشكل كامل وبلا خوف، من يمرض، يحصل علي الدواء وانتهت المسألة.
الفكرة تشبه أي دواء آخر: تصاب بعدوى ، تأخذ الدواء ، تتحسن، تمضي قدمًا في حياتك، بهذه الطريقة أيضا لن نشهد حالات تكدس الإصابات في المستشفيات، والتي قد تفيض أحيانا علي قدرة المستشفيات علي استيعابها كما حدث في عدد من الدول.
بوجود دواء سيتحول فيروس كورونا المستجد COVID-19 إلي مجرد مرض عادي نتعايش معه، وتنتهي أسطورته التي هزت العالم كله هزا عنيفا لم يعرفه منذ قرن من الزمان، عندما اختبر العالم مرارة جائحة (الإنفلونزا الإسبانية).
بوجود مولنوبيرافير نتذكر ما رواه أبو سعيد الخدري عن النبي صلى ﷲ عليه وسلم : ((إنَّ اللهَ لمْ يُنْزِلْ دَاءً أوْ لمْ يَخْلُقْ دَاءً إلَّا أنْزَلَ أوْ خلقَ لهُ دَوَاءً ، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ ، و جَهِلهُ مَنْ جَهِلهُ)). حديث صحيح بمجموع طرقه.
قرص مرتين يوميا:
يتميز دواء مولنوبيرافير بأنه (خصوصا إذا ما تم أخذه في المراحل المبكرة من الإصابة) يمنع الحالات المصابة من التدهور والمرض الشديد، ومنع الفيروس التاجي (SARS-CoV-2) من أن ينتقل لمرحلة المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة، والتي تفقد الرئة كفائتها، متسببا في موت المصاب. بل تبقي الأعراض خفيفة إلي أن يقتل الفيروس نفسه.
حددت الجرعة المعتمدة لدواء مولنوبيرافير في كبسولتين يوميًا، لمدة خمسة أيام، وعلي غرار ما يحدث مع الإنفلونزا، حيث يجب على الناس تناول الدواء (مضاد الفيروسات الفموي) بسرعة بعد الإصابة. سيتكرر نفس المبدأ مع مولنوبيرافير.
سيكون هذا كافيا للتقليل من خطر دخول المستشفى والوفاة بين الأشخاص المصابين بفيروس كورونا المستجد COVID-19.
وفقا لما أعلنت عنه شركة الأدوية الأمريكية العملاقة (ميرك) صاحبة الدواء، فإن مولنوبيرافير سيكون قادرا علي منع تدهور (نصف الحالات المصابة بكورونا) علي الأقل، وإن كانت هذه النتائج لم تتم مراجعتها علي نطاق واسع حتى الآن.
طفل يحمله والده علي كتفه وهو يرتدي الكمامة للوقاية من الإصابة بفيروس كورونا المستجد COVID-19، Copyright (c) 2009 Xavier Donat |
لكن مولنوبيرافير عندما تعرض للاختبار أعطى نتائج متميزة، إذ تم تجربته في تجربة تمت في عدة دول علي ٧٧٥ شخص، كانوا جميعا غير حاصلين علي اللقاح من قبل، وجميعهم من أصحاب الخطورة العالية بالنسبة لفيروس كورونا المستجد COVID-19 ، إذ كانوا إما كبار السن، أو مصابين بالسمنة، وكانت نتائجه النصف بالنسبة للمصابين شديدي الخطورة، ما يبشر بارتفاع تلك النسبة مع المرضي من خارج هذه الفئة.
في صراعنا نحن بني آدم ضد فيروس كورونا المستجد COVID-19 ، عرفنا نمطين من الإصابات، نمط حيث يتعافى بعض الناس بسهولة شديدة ، بينما النمط النقيض له حيث يمرض آخرون ويتطور المرض بسرعة، لذا فإن دواء مولنوبيرافير سيكون مهما بالنسبة لأصحاب النمط الثاني.
ومع ذلك ، يحذر الخبراء والاطباء من أن اللقاحات تظل الأداة الأساسية ضد فيروس كورونا ، حيث من الأفضل وقاية الأشخاص من الإصابة بالفيروس بدلاً من معالجتهم بعد الإصابة، أو كما يقال (الوقاية خير من العلاج).
دول غنية وفقيرة:
بالتأكيد من المتوقع أن يتكرر نفس السيناريو الذي شهد صراعا عالميا علي متطلبات الكفاح ضد فيروس كورونا المستجد COVID-19 ، الذي بدأ بأجهزة التنفس الصناعي في المستشفيات، والكمامات الطبية، والكحول، واستمر إلي أن وصل إلي اللقاحات المضادة للفيروس.
ستتصارع الدول علي الدواء لفترة ما، قبل أن تتمكن شركة (ميرك) المصنعة لدواء مولنوبيرافير من إنتاجه بشكل كمي ضخم يلبي الاحتياج العالمي، وهو الأمر الذي قد يتطلب اعطاء رخصة تصنيع مولنوبيرافير في عدد من الدول خارج الولايات المتحدة.
الشركة تطمح في إنتاج عشرة ملايين عبوة من دواء مولنوبيرافير بحلول نهاية العام الجاري ٢٠٢١، وهو رقم قد يبدو جيدا، خصوصا أن الدواء يختلف عن اللقاحات، من حيث أنه لن يعطي إلا للمصابين فعليا، بينما تنبني فلسفة اللقاحات علي إعطائها لأكبر عدد ممكن من الناس، ما يعني الحاجة لمليارات الجرعات.
الأمر المهم أيضا، أن لا تتجه حكومات الدول الغنية إلي اعتماد سياسة (تخزين الدواء) كما فعلت مع اللقاحات العام الفائت ٢٠٢٠ ومطلع العام الجاري ٢٠٢١، مما سيحرم الدول الفقيرة من الوصول إليه.
من أجل ذلك، مؤسسة (بيل وميليندا غيتس) التي انشأها رجل الأعمال الأمريكي الشهير بيل غيتس، أعلنت أنها ستخصص نحو ١٢٠ مليون دولار أمريكي لتسهيل حصول الدول الفقيرة علي عقار مولنوبيرافير.
بعض الدول الآسيوية بدأت بالفعل تقديم طلبات شراء دواء مولنوبيرافير، الذي وصفته صحيفة (the Japan times) اليابانية واسعة الانتشار بأنه سيكون (كارت اليابان الرابح ضد كورونا)، وفي ذات الوقت تقدمت شركة (ميرك) Merck المصنعة للدواء بطلب الحصول علي إذن الإستخدام الطارئ في ١١ أكتوبر الجاري.
لا يختلف هذا الوصف عن ما قاله رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا (وصل للمنصب لتوه في ٤ أكتوبر الجاري) إن مثل هذه العلاجات يمكن أن تصبح "ورقة رابحة رئيسية" في المعركة الطويلة والشاقة ضد فيروس كورونا.
إدارة الغذاء والدواء الأمريكية FDA، والمنوط بها الموافقة علي أي دواء قبل طرحه في السوق الأمريكي، والتي تعد موافقتها بمثابة الاذن بالاستخدام في معظم دول العالم، قررت في الرابع عشر من أكتوبر الجاري، وبعد ثلاثة أيام فقط من تقديم شركة ميرك طلبها بترخيص الدواء، أن تعقد اجتماع اللجنة الاستشارية بها لمناقشة إعطاء دواء مولنوبيرافير الموافقة لاستخدامه كمضاد لفيروس كورونا المستجد COVID-19.
اجتماع اللجنة الاستشارية من المقرر ان يعقد في ٣٠ نوفمبر المقبل، لمناقشة البيانات التي تدعم فكرة استخدام الدواء.
إذا صرحت إدارة الدواء والغذاء الأمريكية FDA لدواء مولنوبيرافير ، سيصبح هو أول دواء يأخذ بالفم لفيروس كورونا المستجد COVID-19، إذ لا تزال جميع الادوية المصرح بها حتى الآن كعلاجات لكورونا تعطي عن طريق الوريد أو الحقن.
بهذا الشكل، قد نجد دواء مولنوبيرافير علي أرفف الصيدليات في الكثير من دول العالم بحلول نهاية العام المقبل ٢٠٢٢، والمفأجاة السعيدة أن شركة (فايزر) تجهز دواء آخر دخل بالفعل التجارب السريرية، ويجب ان يكون جاهزا في أوائل العام المقبل ٢٠٢٢.
تقييم علمي:
برغم كل هذا الكم من التفاؤل، قد يكون من المفيد أن نضع دواء مولنوبيرافير تحت الفحص، خصوصا إن كان فحصا من مكان مرموق علميا.
مجلة العلوم science، وهي دورية علمية شهيرة تصدرها (الجمعية الامريكية لتقدم العلوم)، درست بدقة (آلية عمل) دواء مولنوبيرافير، القائمة علي تثبيط عمل (بوليميراز الحمض النووي) لفيروس كورونا المستجد COVID-19.
الحمض النووي الريبي RNA أو بوليميرات الدنا، يمكن أن نعرفها ببساطة، بأنها إنزيمات تحفز تخليق جزيئات الحمض النووي، وتلعب بذلك دورًا رئيسيًا في تكرار الحمض النووي ، مما يتيح نقل المعلومات الجينية إلى الخلايا الوليدة من جيل إلى جيل، إنها ببساطة المسؤولة عن تكاثر الفيروس وانتشاره، وبالتالي فإن إيقاف هذه العملية يعني ببساطة موت الفيروس.
المجلة قالت أن من الأدق القول أن دواء مولنوبيرافير (يحفز الطفرات) في هذا الإنزيم، فهو يعتمد علي دخول مادته الفعالة التي ستثبط عمل الحمض النووي الريبي لفيروس كورونا المستجد إلي داخل الحمض نفسه، لكنه يحفز طفرات مميتة للفيروس وليست داعمة له.
مجلة العلوم (ساينس) science، في تقييمها لطريقة عمل الدواء تلك، قالت أن فيروس كورونا المستجد COVID-19 ، لديه آلية توقف عمل حمضه النووي إذا اكتشف الفيروس وجود شيء ما خطأ يحدث (وتشير المجلة إلي أن هناك العديد من الكائنات الأخرى التي تمتلك نفس الميزة)، إنها تقوم بمراجعة الأشياء التي تسير علي خيط حمضها النووي للتأكد من أن كل شيء علي ما يرام، وكأنه جهاز فحص جودة.
ليس هذا فحسب، إذ تابعت الورقة البحثية التي نشرتها المجلة، أن الفيروس عندما يكتشف المادة الدخيلة علي حمضه النووي، فإنه يقوم بالدفاع عن نفسه بقوة، إذ يمكنه تمزيق المناطق التي دخلت إليها وتسمى (النيوكليوتيدات)، ويستبدلها بنيوكليوتيدات جديدة خالية من المادة الفعالة للدواء، بالتالي فإن الفيروس يمكنه قذف الدواء بعيدا عنه.
مجلة العلوم (ساينس) science، أضافت أن المميز في دواء مولنوبيرافير أن مادته الفعالة والتي تسمي NHC، لن تبدو للأنزيمات المسؤولة عن تدقيق الحمض النووي الريبي وكأنها غريبة، وبالتالي ستدخل إلي الحمض النووي الفيروسي دون عائق، لأن هذه الأنزيمات والتي تتواجد في العديد من الفيروسات التي تعيش بيننا قبل وجود كورونا لم تكن تستطيع اكتشاف مولنوبيرافير ، إذ أنه دواء قديم وكان يستعمل فيما سبق كمضاد حيوى فعال، لم تكن إنزيمات التدقيق في الفيروسات تستطيع كشفه.
إن تلك النقطة بالتحديد هي سر دواء مولنوبيرافير، ومع ذلك فهي تحتاج لتكرار المحاولة أكثر من مرة، ليس لأن المادة الفعالة NHC قد تكتشف، بل لأنها مادة لا تمتزج بسهولة بالحمض النووي الريبي للفيروس، لكنها وبمجرد دخولها، فإنها تسبب فيها أخطاء لن يتمكن الفيروس من معالجتها أبدا مهما حدث، وسيقتل نفسه بيده.
نتخيل الآن أن المادة الفعالة في دواء مولنوبيرافير دخلت الحمض النووي الريبي لفيروس كورونا المستجد COVID-19 ، لا أمل للفيروس في النجاة مع حمض نووي ملوث وقاتل بدلا من حمضه النووي الذي ينقل جيناته جيلا بعد جيل، الأمر أشبه بفيروس يقتل الحيوانات المنوية للرجل، فيحرمه من الإنجاب.
حتى اللحظة، فهذا شيء عظيم بالطبع، سنقتل كورونا بيده ، وتصفه المجلة بأنه (شيء تشعر برغبة في تناول الفشار والتشجيع أثناء مشاهدته)، لكنها تضيف أن المشكلة قد تكبر إذا ما تعامل الحمض النووي البشري مع المادة الفعالة في مولنوبيرافير NHC، وقرر أن يتناوله.
من المعروف بالفعل لدي العلماء، أن الNHC تطلق مجموعة من الطفرات.. ومن الأفضل بكل تأكيد أن لا يكتشف جسمك تلك الطفرات المثيرة للأهتمام في خلاياك البشرية، وهذه النقطة بالذات كانت محل دراسة وتدقيق من العلماء منذ ثمانينيات القرن العشرين.
في النهاية، كان حكم مجلة العلوم (ساينس) science، إنه ولحسن الحظ فإن إنزيمات الحمض النووي الريبي RNA أو بوليميرات الدنا، تختلف في البشر عنها في الفيروسات، وبالتالي نحن أقل قلقا إزاء تفاعل حمضنا النووي مع الدواء.
لكن الأمر لا يخلو عن احتمال ولو ضئيل أن يندمج إنزيمنا البشري مع المادة الفعالة NHC، ومع ذلك قللت المجلة من إمكانية حدوث ذلك، ووصفته بالمستبعد تماما، ووصفت دواء مولنوبيرافير بأنه (سلاح قيم لمواجهة كورونا)، وطالما سيبعد الناس عن المستشفى أو عن القبر فهو بالتأكيد أمر جيد.