وسط أجواء مشحونة بكثير من الغيوم والقلق، تعهد الرئيس الصيني شي جين بينغ، اليوم السبت، بإعادة توحيد الصين مع تايوان "بشكل سلمي" ، معتبرا أن تلك الوحدة ستخدم "مصالح الامة الصينية" علي أفضل وجه... بينما أوردت ترجمة أخرى لتصريحات الرئيس الصيني أنه قال أن الوحدة ستحقق مصالح "الشعب التايواني".
الرئيس الصيني شي جين بينغ يمر بجوار أفراد من حرس الشرف الصيني، 8 يونيو 2018، President of the Russian Federation and is licensed under the Creative Commons Attribution 4.0، wikimedia commons
واستمرارا لتصاعد التوتر في مضيق تايوان بعد موجة
من التدريبات العسكرية هناك، رد المكتب الرئاسي في تايوان علي تصريحات الرئيس الصيني
بأن مستقبل الجزيرة في يد شعبها، وإن الرأي العام السائد شديد الوضوح في رفض النموذج
الذي تتبناه الصين.
شي يواصل الضغط:
تصريحات الرئيس الصيني شي جين بينغ جاءت في صيغة
تعهد واضح حينما قال "إعادة التوحد" مع تايوان يجب أن تتحقق وستتحقق.
تأتي تلك التصريحات بعد إرساله عددا قياسيا من
الطائرات الحربية الصينية لتنفيذ مناورات عسكرية بالقرب من جزيرة تايوان كجزء من حملة
ضغط استمرت لسنوات.
اختار الرئيس الصيني أن يدلى بهذه التصريحات يوم
السبت في إطار خطاب متلفز بمناسبة انتفاضة ١٩١١، التي أطاحت بأخر إمبراطور من أسرة
تشينغ والإمبراطور الأخير للصين بشكل عام، وأدت في النهاية إلى تأسيس جمهورية الصين.
بجانب البعد التاريخي لتوقيت الخطاب، فهناك بعد
آخر شديد الأهمية، يتمثل في أن السيدة تساي إنغ-وين رئيسة تايوان، من المقرر أن تلقي
خطابا يوم غد الأحد، تزامنا مع اليوم الوطني لتايوان، أراد الرئيس شي أن يمنح السيدة
تساي الوقت اللازم لتجهيز ردها.
السيدة تساي إنغ-وين، ٦٤ عاما، تمثل العدو اللدود
للرئيس شي في تايوان، فهي زعيمة للحزب التقدمي الديمقراطي، الذي يرغب في الاستقلال
التام عن الصين، وترك مفهوم (دولة واحدة بنظامين للحكم) الذي ترغب فيه الصين.
في خطابه، أعاد الرئيس الصيني التأكيد على أن الوسائل
السلمية للتوحيد مع تايوان، التي تحكم بشكل ديمقراطي "تخدم بصورة أفضل مصالح الأمة
الصينية ككل".
لكن شي جين بينغ أرسل أيضًا تحذيرات شديدة ضد أي
جهود للسعي إلى الاستقلال وكذلك التدخل الأجنبي.
القط والفأر:
في أكتوبر / تشرين الاول من العام ٢٠٢٠، هددت الصين بقطع إمدادها بالمعادن النادرة التي تستخدم في الصناعات العالية التكنولوجيا ومنهاالأسلحة المتطورة لشركات سلاح أمريكية مثل بوينغ ورايثيون ولوكهييد مارتن بسبب صفقات أسلحة تعدت قيمتها ٤ مليار دولار أمريكي مع تايوان، الدولة التي تعتبرها الصين جزءا منها.
الصين تبدى دوما تحفزا شديدا ضد جهود الغرب تقوية
تايوان، والأخيرة تعتمد كليا علي أن الغرب سيدعمها إن حاولت بكين استخدام القوة العسكرية
ضدها، وهكذا تتشكل بؤرة صراع عالمي قد ينفجر في أي لحظة جنوب شرق آسيا.
وقال شي جين بينغ: "يجب على المواطنين على
جانبي مضيق تايوان الوقوف على الجانب الصحيح من التاريخ والتكاتف لتحقيق إعادة التوحيد
الكامل للصين والنهضة العظيمة للأمة الصينية".
جنود من الجيش التايواني يقومون بأداء بعض التدريبات القتالية، pxfuel.
مضيفا أن قضية تايوان نشأت من الضعف والفوضى اللذين
أصابا الأمة الصينية، وإن حلّها سيتم مع تحول النهضة العظيمة للأمة الصينية إلى حقيقة
واقعة.
شي وصف من يرغبون في استقلال تايوان أنهم
"أولئك الذين ينسون تراثهم، ويخونون وطنهم الأم، ويسعون إلى تقسيم البلاد لن يصلوا
إلى نهاية طيبة"، مضيفا أن الشعب سيحتقرهم وسيدينهم التاريخ... مؤكدا أن الصين
لديها ما سماه "تقليد مجيد" في معارضة النزعة الانفصالية.
تمثل هذه التصريحات تعليقات الرئيس شي جين بينغ،
الأكثر بروزا حول هذه القضية منذ ١ يوليو، عندما أعلن في ذكرى تأسيس الحزب الشيوعي
الحاكم، أن الوحدة مع تايوان تعتبر "مهمة تاريخية" للحزب الشيوعي و
"التزامًا لا يتزعزع" وأنه "سيحطم" أي محاولة لاستقلال تايوان.
تصريحات تايوان لم تكن أقل حدة، ففي بيان أصدره
مجلس شؤون البر الرئيسي في تايوان، وهو المجلس المختص بالعلاقات مع الصين، قال المجلس:
((ندعو الصين إلي التوقف عن خطواتها الاستفزازية من التدخل والمضايقة والتخريب((.
بينما اعتبر وزير الدفاع التايواني إن التوترات
مع الصين في أسوأ حالاتها منذ ٤٠ عاما، وكان رئيس الوزراء التايواني "سو تسينغ
تشانغ" قد اتهم الصين في وقت سابق من صباح اليوم، بـ"استعراض عضلاتها"
وإذكاء التوترات.
تأتي الحرب الكلامية، بعد أسبوع متوتر أصلا في مضيق
تايوان ، حيث أرسلت الصين عشرات الطائرات العسكرية إلى منطقة تحديد الدفاع الجوي بالجزيرة،
قالت تايوان أن عددا منها كان قاذفات من طراز أتش 6 القادرة على حمل رؤوس نووية، فضلا
عن طائرة مضادة للغواصات.
ويشير مصطلح "منطقة تحديد الدفاع الجوي"
إلي المناطق التي تقع خارج المجال الجوي لأي دولة، لكن الطائرات الأجنبية التي تحلق
فيها تلتزم بتحديد هويتها، وتخضع لمراقبة الدولة من أجل حماية أمنها القومي.
في نفس الوقت كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يقومون
بإجراء تدريبات عسكرية في المياه القريبة، وتحدث مسؤول دفاعي أمريكي عن نشر بعض المستشارين
العسكريين الأمريكيين في تايوان، ما جعل الصين تحث أمريكا يوم الجمعة علي الالتزام
بالاتفاق علي إبقاء القوات خارج تايوان.
تجدر الإشارة هنا إلي أن الولايات المتحدة الأمريكية
لا تربطها علاقات رسمية بتايوان بصفتها دولة، ولكن القانون الأمريكي المسمى ((قانون
واشنطن للعلاقات مع تايبيه)) ينص علي مد الجزيرة بإمكانيات وتسليح عسكري يمكنها من
الدفاع عن نفسها.
البعد التاريخي:
تشترك الحكومتان في كل من بكين وتايبيه -عاصمة تايوان-،
في اعتبار أن أصولهما التاريخية تعود إلي ثورة عام ١٩١١.
الأكثر من ذلك أن الحزب الشيوعي الصيني وأعداءه
من حزب الكومينتانغ المحاربين للفكر الشيوعي، قد قررا توحيد جهودهما العسكرية لمواجهة
الغزو الياباني للصين عام ١٩٣٧، وواصلا ذلك التعاون خلال الحرب العالمية الثانية حتى
عام ١٩٤٥.
لكن الصين لم تلتقط أنفاسها، فبعدما انتهت الحرب
العالمية الثانية في كل أنحاء العالم، اندلعت حربا أهلية بين الحزب الشيوعي الصيني
وحزب الكومينتانغ، وبرغم الانتصار الكاسح للشيوعيين في كامل البر الرئيسي للصين.
إلا أن الحزب الشيوعي لم يستطع أبدا أن يستولي علي
تايوان التي فر إليها أعضاء حزب الكومينتانغ ومقاتليه، حيث عاشت هناك حكومة حزب الكومينتانغ
بسلام، واستمرت في حكم الجزيرة لفترات طويلة طيلة ما يزيد عن سبعين سنة الأخيرة.
لا تزال الصين منذ ذلك التاريخ تعتبر الجزيرة جزءًا
من أراضيها، وقد أكدت طويلا وكثيرا على أنها تملك الحق في الاستيلاء علي تايوان بالقوة
، على الرغم من أن السيدة تساي إنغ-وين رئيسة تايوان، تقول إنها تقود دولة ذات سيادة
تسمي رسميا "جمهورية الصين"، لها دستورها الخاص، وجيشها المكون من ٣٠٠ ألف
مقاتل.
دولة واحدة ذات نظامين:
حاليا، تشير احصاءات الرأي "الحكومية"
التي تجري في تايوان، والتي وبطبيعة الحال تشكك الصين في مصداقيتها، إلي أن أقل من
١٠٪ من سكان تايوان البالغ عددهم ٢٣،٥ مليون نسمة، يفضلون الوحدة مع الصين، مما يعني
-في حال صحة تلك البيانات- أن جهود الرئيس شي جين بينغ لإقناع التايوانيين بالوحدة
لم تؤتي بثمارها.
في كانون الثاني/ يناير ٢٠١٩، أطلق الرئيس الصيني
شي جين بينغ دعوة إلي اتحاد يجمع بين الصين وتايوان يقوم علي أساس جعلهما دولة واحدة،
ذات نظامين للحكم.
بني الرئيس شي دعوته علي غرار نظام الحكم القائم بين الصين وهونغ كونغ، والموروث عن الاحتلال البريطاني لهونغ كونغ الذي استمر حتى عام ١٩٩٧.
لكن الدعم الذي ابداه البعض في تايوان لاقتراح الرئيس
الصيني، انخفض تماما بعدما سحقت الحكومة المعينة من بكين في هونغ كونغ الاحتجاجات الجماهيرية المؤيدة للديمقراطية في عام ٢٠١٩، والتي اندلعت اساسا احتجاجا علي قانون يسمح بتسليم
"المجرمين" إلي الصين، وبنوا احتجاجهم أنه سيساء استخدام القانون، وسيستخدم
في تسليم المعارضين السياسيين لبكين.
حزب الكومينتانغ، العدو التاريخي للحزب الشيوعي
الصيني ، هو حزب المعارضة حاليا في تايوان، وقد انتخب الشهر الماضي، شخصية تصنف بأنها
شخصية "معتدلة"، إنه إريك تشو كزعيم للحزب ، وبرغم العداء التاريخي بين الطرفين،
أصبح انتخاب إريك تشو بمثابة فرصة محتملة للرئيس شي لاستئناف الاتصالات مع تايوان.
هذا ما فعله الرئيس شي جين بينغ بالفعل، فبعث برسالة
تهنئة إلي إريك تشو، حثه فيها علي "التعاون بشأن إعادة التوحيد الوطني".
فرد الرجل الذي شغل سابقا منصب عمدة مدينة تايبيه، بالتعهد بتأكيد معارضته لاستقلال
تايوان، وسعيه لإيجاد "أرضية مشتركة" مع الصين.
وفي خطابه اليوم السبت، أشار الرئيس شي جين بينغ،
إلي أحد أفكار الدكتور "سون يات صن" أحد زعماء ثورة ١٩١١، وأول رئيس لجمهورية
الصين، والأهم من كل ذلك أنه مؤسس حزب الكومينتانغ المعادي للشيوعية.
لكن الدكتور سون يات صن، يشترك مع الرئيس شي في
ملف الوحدة، فلقد كان يقول أن "الوحدة هي أمل جميع الصينيين، وأن الفشل في تحقيقها،
سوف يؤدي إلى المعاناة.
لقد استخدم الرئيس الصيني السابق "هو جينتاو"
نفس ذلك التكتيك في خطابه بالاحتفال بالذكرى المئوية لثورة عام ١٩١١، والذي ألقاه قبل
عشر سنوات كاملة، بفارق أن الصين وتايوان في ذلك الوقت، كانت تجمعهما علاقات أكثر دفء
بكثير.
بشكل عام، تستشهد وتنقل وسائل الإعلام الحكومية
الصينية عددا من أفكار الدكتور سون يات صن، ويرى البعض ذلك التوجه الغير جديد، بأنه
تكتيك من بكين تريد به استمالة الزعماء الجدد في حزب الكومينتانغ بدلا من أسلوب التهديدات
العسكرية الذي لجئت له الصين كثيرا خلال الشهور القليلة الماضية تجاه السيدة
تساي إنغ-وين وحزبها التقدمي الديمقراطي المنادي بالاستقلال عن الصين.