عندما قررنا كتابة هذا التقرير، كانت دوافعنا هي إظهار قبائح صناعة الأفلام الإباحية، وبيان خداعها لمستهلكيها.
يعتقد معظم مشاهدي الأفلام الإباحية أنهم يشاهدون أفلاما حقيقية، بينما هي أفلام مزيفة بشكل كامل، Mohamed Hassan, PXhere, CC0 Public Domain |
إننا ندرك الآثار السلبية للأفلام الإباحية، علي الفرد، وعلي المجتمع، ولقد تزايدت هذه الإثار حتى أصبحت تؤثر علي استقرار الأسرة في مجتمعاتنا العربية من المحيط إلي الخليج.
وللأسف الشديد، فإن أرقام مشاهدي هذه النوعية من الأفلام تتزايد، ولا تعطي أي إشارة للتراجع مطلقا منذ سنوات، ما يعني اتساع شريحة مشاهديها من جميع الفئات العمرية، رجالا ونساءا.
صورة غير حقيقية:
قد لا يعلم الكثيرون أن طرق وأساليب صناعة هذه الأفلام تعكس صورة غير حقيقية للعلاقة الجنسية، والتي هي واحدة من سبل التواصل والمحبة التي خلقها ﷲ عز وجل، وشرعها لعباده بطريقة شرعية وحيدة وهي الزواج.
ترتفع التوقعات لدي المقبلين علي الزواج، وخصوصا من مدمني تلك الأفلام ومعتادي مشاهدتها، سواء من حيث مستوى الجمال، وتناسق الجسد، والقدرة الجنسية بشكل عام.
وتقول الكاتبة المصرية شيريهان عصام الدين في كتابها (الممنوع من العرض) أن الأفلام الإباحية تورث الإحباط واليأس من عدم تمكن الشخص من الوصول لما يشاهد، وانعدام الثقة بالنفس لعدم القدرة على الوصول للشكل أو القدرة التي يشاهدها سواء في نفسه أو في زوجه أو زوجته.
ولما كانت تلك الأفلام الإباحية، تعكس كما قلنا صورة غير حقيقية للعلاقة الجنسية، فإن الشخص العادي عندما يتزوج -سواء كان ذكر أو أنثى-، فإنه يصطدم بحقيقة العلاقة، وأن زوجه أو زوجته، ليس هو/هي، ما اعتاد علي مشاهدته.
ينعكس ذلك بالتبعية عليه ويجعله يشعر بالاحباط، والذي قد يتجاوزه البعض بفطرته، ويسقط فيه الكثيرون، فتتولد المشاكل الزوجية، التي قد تتطور إلي الخيانة الزوجية "الزنا"، أو الطلاق.
ويقدر الدكتور محمد عبد الجواد، وهو مؤسس حملة "واعي" المناهضة للإباحية في مصر والوطن العربي، نسبة حالات الطلاق التي وقعت في مصر بسبب مشاهدة الأفلام الإباحية بنسبة ٢٥٪ من إجمالي حالات الطلاق في المجتمع المصري.
إنها ليست مشكلة عربية، أو نظرة مبنية علي أساس ديني إسلامي أو مسيحي أو يهودي، بل مشكلة عالمية حقيقية، وعاها كل العلماء المدركين لخطورة الأفلام الإباحية، ولدينا علي سبيل المثال دراسة نشرها باحثون من جامعة نيوكاسل في المملكة المتحدة، حذروا فيها من أن هذه الأفلام من شأنها طمس الخط الفاصل بين الواقع والخيال، مما يضر بالعلاقات ويشجع على السلوكيات الضارة.
لذا، قررنا في المعرفة للدراسات أن نقوم بعرض الخدع المستخدمة في إنتاج الأفلام الإباحية، وتبيانها لكم لتدركوا حقيقتها بجلاء ووضوح. حقيقة تلك الصناعة التي هي سيدة قبيحة الوجه، تحتاج للكثير من عمليات التجميل لكي تراها كما يعرضونها عليك.
المونتاج:
فالفيلم الإباحي، كغيره من الأفلام، يتعرض لعملية مونتاج.
والمونتاج ببساطة يمكن صانع الفيلم من تعديل لقطاته كما يريد، سواء تطويل مدتها الزمنية أو تقصيرها، وضبط درجة اللون، أو الشكل، وضبط الصوت ودرجته، كما يمكنه من وضع "مؤثرات بصرية".
كل هذا يجعل الفيلم مثاليا، تجد علي سبيل المثال، زمن مواقعة الرجل للمرأة أطول مما حدث في الحقيقة، تجد أجساد الممثلين مثالية، كل ذلك بفضل المونتاج، وليس انعكاسا لعلاقة حقيقية تم تصويرها بدون منتاج.
بالتالي، فما تراه أمامك ما هو إلا خداع وتضليل، سيكون من العبث انتظار حدوثه علي أرض الواقع.
بذلك المعني تقول شيرا تارانت، وهي أستاذة دراسات المرأة والجنس في ولاية كاليفورنيا وهي تصف مدى تزوير تلك الأفلام بقولها: "إنها الصناعة الوحيدة التي يمكنك فيها إجراء جلسة تصوير واحدة والحصول على لقب نجمة، سواء كنت جيدًا فيها أم لا".
تقصد البروفيسور شيرا تارانت هنا أنه حتى ولو كان ممثل أو ممثلة الافلام الإباحية جيد أو سئ فإن ما يجري من تعديلات على تلك الأفلام ستجعله رائعا بل ونجما.
وقت التصوير:
بجانب المونتاج، والتركيز هنا علي نقطة مدة العلاقة الجنسية كذلك، والتي تعتبر واحدة من أكثر النقاط تضليلا للمشاهد العادي.
فمشاهدين الأفلام الإباحية يرونها أمامهم قطعة واحدة، لكن يغيب عن بالهم حقيقة أنها لم تصور قطعة واحدة، بل كبقية الأفلام تم تصويرها علي مراحل امتدت لعدة أيام متتالية، وتوقفت كل يوم تصوير عدة مرات للراحة أو تناول الطعام أو تعديل أي شيء فني في التصوير.
مهمة فنيين المونتاج والمخرج أن يظهروها للمشاهد وكأن العلاقة الجنسية في تلك الأفلام قد تمت بشكل متتالي بلا اي إنقطاع وهو أمر غير صحيح.
إذن فبجانب أن الأفلام الإباحية ليست حقيقية المشاهد، فهي أيضا ليست وحدة زمنية ممتدة بلا انقطاع، وهي المعلومة الثانية التي ينبغي علي الشخص معرفتها لكشف حقيقة تلك الأفلام.
وهذه الجزئية علي وجه الخصوص، قد تكون أكثر خداعا للسيدات من معتادي مشاهدة هذه الأفلام، واللواتي يعقدن مقارنات بين أزواجهم في الحقيقة وأوقات العلاقة الطبيعية وأوقات الأفلام التي قد تزيد أحيانا عن الساعة.
لكن ما سيكون أكثر إثارة للدهشة بالنسبة لمعظم مشاهدي تلك النوعية من الأفلام، أنه حتى عملية "القذف"، سواء كانت للرجل أو للمرأة في الفيلم، كثيرا ما تكون "مزيفة".
يتم ذلك بعدة صور، إما بالتبديل بين الممثلين أنفسهم، أو حقن الممثلين والممثلات بمواد لزجة، سيتم تعديلها في المونتاج لتبدو طبيعية تماما لعين المشاهد المخدوع، والذي يلعن حظه في الواقع، وهو لا يدري أو لا تدري أن متعتهم هي المتعة الحقيقية وليست المزيفة.
في كتاب "الحقيقة خلف وهم البورنو" تقول شيلي لوبان وهي ممثلة أفلام إباحية معتزلة أن شركات الإنتاج تغسل دماغ المستهلك بواسطة الإبداع البصري ويظهرون لك أن المرأة عبارة عن سلعة.
الضوء:
الضوء في عالم الإباحية هو أحد أهم عناصره، فباستخدامه يتم إضاءة أجزاء معينة في أجساد الممثلين، إنه جزء مهم آخر في عملية الخداع لعين المشاهد.
في كتابها "الحقيقة خلف وهم البورنو" تقول الممثلة المعتزلة شيلي لوبان أن شركات الإنتاج تعمل على "غسل دماغ المستهلك بواسطة الإبداع البصري ويظهرون لك أن المرأة عبارة عن سلعة أو شيء".
استخدام الأدوية:
لا يكفي كل ما سبق لإخراج الصورة المزيفة والمبهرة للعيون في الأفلام الإباحية، إذ يستخدم ممثلي تلك الأفلام العديد من الأدوية الطبية التي تساعدهم علي تطويل مدد العلاقة، أو زيادة انتصاب اعضائهم.
والحقيقة أن العلاقات الطبيعية لا تحتاج لهذه الاعضاء الذكورية الطويلة للغاية، والتي هي في حقيقتها مصدر ألم وليس متعة للسيدات، إذ ووفقا للمعلوم طبيا فإن العضو الذكري سيكون كافيا للغاية لتحقيق المتعة للسيدات بطول من ١٤ : ١٥ سم عند الانتصاب، أما ما تعرضه تلك الأفلام فهو خارج عن الحد اللازم للمتعة في العلاقات الطبيعية.
استخدام الأدوية قد لا يتوقف عند ما قبل تصوير تلك الأفلام، بل وقد يتم حقن الممثلين الرجال بحقن تعيد لهم قدرتهم من جديد لاستكمال مشهد معين أو لقطة معينة.
هذه الادوية التي يستخدمها علي الأخص الممثلين الرجال تصيبهم فيما بعد باثار خطيرة منها الضعف الجنسي، وفقدان القدرة كليا علي الانتصاب، و سرعة القذف لكن مشاهدي تلك الأفلام لا يرون إلا ما يعرض أمامهم علي الشاشة، وبنسبة احتمال كبيرة للغاية، فإنهم لم يستمعوا من قبل لاعترافات ممثلي تلك الأفلام من الرجال عن تناولهم لعقاقير طبية قبل التمثيل.
وبشكل عام، فإن شريحة كبيرة من الممثلين والممثلات في تلك الأفلام هم من مدمني المواد الكحولية والمخدرات، وعادة ما تسجل بينهم حالات وفاة بسبب إدمان تلك المواد.
المبتدئين:
تجدر الإشارة هنا لتوضيح هام للغاية، أن كل ما ذكر في هذا الموضوع ينطبق كذلك حتى علي الأفلام التي ينتجها المبتدئين في عالم صناعة الأفلام الإباحية.
ففي هذه الصناعة القذرة، تتنافس عدد من المواقع الكبيرة علي الحصول علي فيديوهات المبتدئين، لتضخيم محتواها، وزيادة أعداد أفلامها، وغالبا بمقابل مادي أقل مما تحتاجه لتصوير فيلم احترافي، ما يرفع من عدد ضحاياها من مشاهدي تلك الأفلام الذين يزورون مواقعها يوميا، ما يزيد من أرباحها.
ولتسهيل مهمة المبتدئين، أو لنقل لجذب المبتدئين لهذا الفخ بمعني أصح، تقوم تلك المواقع بنشر موضوعات كاملة، تشرح فيها كيفية صنع فيلم إباحي ملبي لمعايير الكذب والخداع والتضليل البصري المستخدم في الأفلام الإباحية الاحترافية التي تنتجها شركات ويمثلها ممثلين محترفين، مع طاقم عمل من مصورين ومنتجين ومخرج كلهم محترفين في هذا المجال.
كما تقدم الشركات الإنتاجية تدريب للمبتدئين الذين سيدفعون بهم إلي سوق النخاسة هذا، حتى يتحولوا لممثلين محترفين.. والغريب أن ينتظر الزوج من زوجته أو العكس أداء مماثل لما يشاهدونه في الأفلام الإباحية. وكأنه متزوج أو متزوجة من نجم/نجمة أفلام إباحية!!.
التزييف الكامل:
في تقرير نشره معهد جوته الألماني، في يوليو عام ٢٠١٩، جاء أنه من الممكن استخدام تقنية تسمي "الخدعة العميقة الفائقة" في صنع المواد والأفلام الإباحية.
إنها تقنية تستنسخ وجوه البشر، وتدمج فيديوهات لإنتاج أفلام لم تحدث أصلا، ولم يتم تصويرها من الأساس، الممثلين الذين تشاهدهم لم يكونوا هنا منذ البداية، بل أشخاص آخرون، وتم تزييف الفيلم بشكل كامل. بأشخاصه وأحداثه.
تقرير معهد جوته أبرز أن صناعة الإباحية تستخدم هذه التقنيات بالفعل منذ سنوات، وبالتالي فإن هناك أفلام إباحية معروضة للمشاهدة وهي مزيفة تماما.
شهادات حية:
صناعة الأفلام الإباحية، خرج من براثنها العديد من الأشخاص، ليقدموا للعالم شهادات حية عن مدى انحطاطها، وعن الخدع المستخدمة في إنتاج هذه النوعية من الأفلام.
ففي فيلم وثائقي اعدته واذاعته القناة الخامسة البريطانية بعنوان "تجارة الجنس: نجوم الإباحية"، تحدثت ممثلة سنختار لها اسم "جي" وممثل يدعي "بيلي"، ومخرج اسمه "لوكي".
كشف هذا الثلاثي أن معظم ما يراه الناس في الأفلام الإباحية "مزيف بشكل كامل". وأنه يتم مع عوامل مساعدة لتخرج الأفلام كما يراها مدمنوها، علي سبيل المثال "الكريمة البيضاء" التي توضع علي أجساد الممثلات.
المخرج لوكي قال أن جميع الأفلام ليست طبيعية ويتم تعديلها بشكل كامل.
ممثلة أخرى سنشير إليها باسم "كي"، وهي واحدة من أبرز نجمات الإباحية في بريطانيا، وتتقاضي علي جلسة التصوير الواحدة ٦ آلاف جنيه استرليني، قالت نفس الشيء بالضبط، ما يحدث في التصوير ليس ما يعرض بعد ذلك في الأفلام.
صحيفة ميرور البريطانية أيضا نشرت تقريرا عن نفس القضية، تحدثت فيه ممثلة أفلام إباحية وصفت صناعة الأفلام الإباحية بأنها "عالم بعيد عن أرض الواقع".
أما أبرز الأعمال التي عرت هذه الصناعة، فكان الفيلم الوثائقي "الجانب المظلم من الأفلام الإباحية" الذي انتجته شبكة تليفزيون الأسد البريطانية، وتم عرضه في الفترة بين ٢٥ أبريل ٢٠٠٥ حتى ١٩ أبريل ٢٠٠٦، وذلك من خلال جزئين تكون كل جزء من ٩ حلقات.
صناعة كاملة:
علينا أن نعلم أن الأفلام الإباحية هي صناعة كاملة تقدر قيمتها عالميا بنحو ١٠٠ مليار دولار أمريكي، يعمل بها طواقم عمل محترفين، من منتجين ومخرجين وممثلين وفنيين تصوير واضاءة وغيرهم. يشترك بعضهم في هذه الأفلام لتحقيق الربح المادي، وبعضهم ينخرط فيها بأهداف أبعد كهدم القيم والأسرة والمجتمعات.
بحسب صحيفة لوس أنجلوس تايمز الأمريكية فإن استديوهات تصوير الافلام الإباحية هي أحد أكثر الأماكن ازدحاما في هوليوود.
وفي تقرير آخر نشرته مجلة "ذا أتلانتيك" الأمريكية الشهيرة فإن صناعة فيلم أباحي واحد تتراوح بين آلاف وعشرات آلاف من الدولارات، فهل من المنطقي بعد كل ذلك محاولة مقارنة ذلك بالعلاقات الطبيعية بين البشر العاديين؟.
ولمن اراد المزيد من المعرفة عن أسباب إدمان الأفلام الإباحية وطرق العلاج منها، فلقد عرضت الكاتبة المصرية شيريهان عصام الدين في كتابها الهام (الممنوع من العرض) عرضا هاما لهذه النقاط سيفيد كل من يطلع عليه.
كما يمكنكم الإطلاع على تقريرنا الهام (كيفية التخلص من مشاهدة الأفلام الإباحية.. الطريق ووسائل الشفاء).
في النهاية، فإن العقلاء، الذين يستخدمون عقولهم التي هي أعظم منح ﷲ للبشر، سيدركون جيدا مدى التلفيق الذي تعرضه تلك الصناعة للناس، وبعيدا عن كل هذا الغش والخداع الغير مستغرب علي من ارتضوا لأنفسهم تلك المهن، فينبغي علي كل شخص أن لا ينسي حساب ﷲ له علي أفعاله، ومنها ما يري وما يسمع.