كشف وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس أن إسرائيل ستكون "علي استعداد لقبول" العودة لتطبيق الاتفاق النووي الذي كانت الولايات المتحدة الأمريكية كواحدة من الدول الست الكبرى قد اتفقت عليه مع إيران.
لكن وفي حديثه لمجلة فورين بوليسي الأمريكية ، قال غانتس أيضا أن المسؤولين الإسرائيليين يضغطون أيضا علي واشنطن "لإظهار القوة" بصورة جادة في حالة فشل المفاوضات مع إيران.
تبدل في المواقف:
الملاحظات التي أبداها وزير الدفاع الإسرائيلي في مقابلة حصرية مع فورين بوليسي، يبدو أنها تعكس تحولًا في السياسة الإسرائيلية.
فإسرائيل التي كانت تحت قيادة رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو ، عارضت بقوة الاتفاق النووي لعام ٢٠١٥ وعملت على تقويضه.
التفاوض علي نفس الاتفاق يعد تبدلا في الموقف الأمريكي أيضا، إذ انسحب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاقية في عام ٢٠١٨، لكن إدارة الرئيس الحالي جو بايدن تريد تجديد الحلول الدبلوماسية مرة أخرى، حتى مع العديد من التقارير التي تتحدث عن اقتراب إيران من تخصيب ما يكفي من اليورانيوم لصنع سلاح نووي.
عندما سئل غانتس عن جهود إدارة بايدن للعودة إلى اتفاق مع إيران، أجاب بقوله إن النهج الأمريكي الحالي المتمثل في إعادة وضع البرنامج النووي الإيراني داخل صندوق، يجعلني أقبل به.
الخطتين ب ، ج:
أضاف وزير الدفاع أن إسرائيل تريد أن ترى "خطة ب قابلة للتنفيذ تكون بقيادة الولايات المتحدة".
غانتس بين تصوره لتلك الخطة بأن تكون شاملة ضغوطا اقتصادية واسعة على إيران في حالة فشل المحادثات، كما كشف أيضا عن وجود "خطة ج"، خاصة بإسرائيل، والتي ستشمل عملا عسكريا ضد إيران.
كما قدر وزير دفاع إسرائيل أن إيران كانت على بعد مدة تتراوح بين شهرين إلى ثلاثة أشهر من امتلاك المواد والقدرات اللازمة لإنتاج قنبلة نووية واحدة عندما عقد اتفاق عام ٢٠١٥، لكن ومع الانسحاب الأمريكي منها عام ٢٠١٨، عززت إيران بثبات أنشطتها النووية،،على الرغم من حملة الضغط القصوى التي شنها كل من ترامب ونتنياهو، وشملت عقوبات، وأيضا فرض ، كما أن إسرائيل متهمة بتخريب حهود الإيرانيين في البرنامج النووي، بأفعال مثل اغتيال علمائه، وشن هجمات إلكترونية ضد المنشآت النووية الإيرانية.
نفتالي بينيبت رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي وجه النقد إلي نتنياهو في هذا الموضوع بالذات يوم الثلاثاء الماضي، وقال لأخبار القناة ١٢ الإسرائيلية: ((لقد ورثت إسرائيل وضعا أصبحت فيه إيران في أكثر المراحل التي بلغتها تقدما في سباقها لامتلاك القنبلة النووية... إن الفارق بين خطابات نتيناهو وما كان يفعله فعلا كبير للغاية)).
نعود لوزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس في حديثه لفورين بوليسي، حيث قال أنه متشكك بشأن فرص نجاح الدبلوماسية في عكس تقدم برنامج إيران النووي، وأوجز الخطة التي تري إسرائيل أنه يجب تنفيذها في تلك الحالة، وتراها "قابلة للتطبيق".
تقوم الخطة علي ضغوط سياسية ودبلوماسية واقتصادية حاسمة وقوية، تفرضها الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا والصين على طهران.
قال غانتس: "يجب أن نشرك الصين أيضا في هذا العمل، فعلي آسيا أن تلعب دورا، ويجب تسليط الضوء علي العلاقات الاقتصادية الرئيسية لإيران والتي تجمعها بالدول الآسيوية".
غانتس اعتبر أن إسرائيل لا تملك القدرة علي تنفيذ "الخطة ب"، إذ لا تستطيع فرض نظام عقوبات اقتصادية علي إحدي الدول، وأن هذا الأمر يجب أن تقوده الولايات المتحدة. مضيفا: "على إيران أن تخشى أن تتصرف الولايات المتحدة وشركائها بشكل جاد ضدها".
في ذات التوقيت، كشف وزير الدفاع الإسرائيلي أن الجيش الإسرائيلي يستعد للقيام بما وصفه "إجراءاته الخاصة" لوقف التقدم النووي الإيراني، قائلا: "اذا تم حشرنا في هذه الوضعية، سنقوم بذلك".
صحيفة فورين بوليسي قالت أن وزير الدفاع الإسرائيلي في حديثه عن تلك النقطة بالتحديد أراد التأكيد عليها، فتحول في لغة الحديث من العبرية إلي الإنجليزية ليقول “We’re not America, but we have our capabilities"... أي نحن لسنا أمريكا، لكن لدينا قدراتنا.
سباق تسلح نووي:
حذر جانتس من حدوث سباق تسلح نووي إقليمي بين دول منطقة الشرق الأدنى، قد يحدث إذا تمكنت إيران من تجاوز العتبة والحصول علي سلاحها النووي، قائلا: "الدول الأخرى لن تكتفي بالهدوء بل سيشترونه مباشرة من الرفوف من باكستان أو من أي مكان يستطيعون شراءه منه".
وقال إن الانسحاب الأمريكي الأخير من أفغانستان لديه القدرة على المدى الطويل على تشجيع إيران ووكلائها على التحرك.
لنتذكر سويا أن بيني غانتس هو قائد سابق في جيش الاحتلال الإسرائيلي، وصل إلي منصب رئيس أركانه. لقد أمضي غانتس جزءا من حياته العسكرية وهو يقود القوات الإسرائيلية التي كانت تحتل أجزاءا من لبنان، إنها الأراضي التي احتلتها إسرائيل قرابة عقدين من الزمان قبل انسحابها منها علي وقع ضربات المقاومة اللبنانية، وإن كانت لاتزال حتى يومنا هذا تحتل مزارع شبعا اللبنانية.
بعض المحللين قارنوا بين الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، والانسحاب الإسرائيلي من لبنان، هذا ما اثاره غانتس نفسه في حديثه الصحفي حين قال: "لا توجد عمليات انسحاب سعيدة"، مع ذلك فهو يري القرار الأمريكي بالانسحاب "مفهومًا تمامًا ... وإنه لا يمكن البقاء هناك إلى الأبد"، لكنه قال أيضًا إنه يجب ألا يُسمح لإيران بالاستنتاج من الانسحاب الأمريكي من أفغانستان أن "كل ما عليك فعله هو أن تظل قويًا ومصممًا وحينها سينهار الغرب".
صراع الحضارات:
خلال المقابلة التي استمرت ساعة في مقر وزارة الدفاع الإسرائيلية في تل أبيب، وقبل أيام فقط من الذكرى السنوية لهجمات ١١ سبتمبر، كشف غانتس عن تفكيره المؤمن بالصراع، وربما بحتمية الصراع حين قال إن "صراع الحضارات" بين الغرب والجماعات المسلحة في جميع أنحاء العالم لا يزال قائما.
كما تطرق إلى العلاقات مع الفلسطينيين ، مؤكدًا أن إسرائيل لن تزيل أي مستوطنات من الضفة الغربية - مع العلم أنها مستوطنات غير شرعية ومقامة علي أرض محتلة وفقا لقرارات الأمم المتحدة -، لكنه لمح إلي احتمالية التوصل لحل الدولتين، حينما قام بالتأكيد على أنه على المدى الطويل "نحتاج إلى كيانين سياسيين هنا".
كان بيني غانتس قد التقى بالرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن، أواخر الشهر الماضي في أول اجتماع رفيع المستوى بين الفلسطينين والإسرائيليين منذ عقد من الزمن. لكن بينيت ، وهو قومي متطرف وزعيم استيطاني سابق ، أكد أن الاجتماع لا يبشر بعملية سلام جديدة.
غانتس شدد أيضا على أهمية الحفاظ على العلاقات مع عباس والسلطة الفلسطينية ، ووصفها بأنها "قيمة ذات أهمية قصوى".
تجدر الإشارة إلي أن الوزير المتطرف الداعم للاستيلاء علي أراضي مملوكة لشعب آخر، هو من يتولي ملف القضية الفلسطينية في الحكومة الإسرائيلية الجديدة بقيادة نفتالي بينيت، وهي فترة شهدت موافقة إسرائيل على عدة إجراءات اقتصادية ومدنية في الأسابيع الأخيرة لتعزيز السلطة الفلسطينية ، والتي تحكم أجزاء من الضفة الغربية.
رغم ذلك فلقد تحدث عن موقف حكومته بشكل صريح للغاية حينما قال إنه ليس هناك رغبة في التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينين في الحكومة الإسرائيلية التي هو عضو فيها.
وزير الدفاع الإسرائيلي استغل نقطة الانقسام الفلسطيني بين الضفة الغربية وقطاع غزة حيث تسيطر حرمة حماس علي الحكم هناك، وقال أنه طالما ظل الفلسطينين منقسمين فلا آفاق لمفاوضات حقيقية، وتناسي غانتس أن إسرائيل هي السبب الوحيد حاليا لاستمرار هذا الانقسام، خصوصا بعد توافق الفلسطينين علي إجراء انتخابات لاختيار حكومة تمثلهم، إذ تمنع إجراء الانتخابات الفلسطينية في القدس، والتي اعتبرتها كذلك عاصمة موحدة لها، في مخالفة من مخالفاتها الصارخة للقانون الدولي، إذ تعد القدس الشرقية أرضا فلسطينية.
لكن غانتس ألقي اللوم علي الرئيس الفلسطيني أبو مازن واعتبره قد فشل حتى اللحظة في اتخاذ قرارات وصفها بالتاريخية.
وقاحة:
وبكثير من الوقاحة، قال غانتس: "لا يزال عباس يحلم بخطوط ١٩٦٧ [كأساس لانسحاب إسرائيلي من الضفة الغربية وإنهاء الصراع] - وهذا لن يحدث". "عليه أن يدرك أننا باقون هناك. ... نحن لا نزيل المستوطنات".
وهكذا يريد غانتس من رئيس فلسطيني أن يقبل بوطن ممزق الأوصال، نهبت أرضه منه لحساب محتلين ومستوطنين، وإلا يكون قد فشل في إتخاذ قرارات تاريخية.. ولا يخبرنا غانتس لماذا لا يقوموا هم بالتصرف كدولة تحترم القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة، وينسحبون من أراضي محتلة بقوتهم العسكرية.
حرب مع غزة:
وردا على سؤال حول احتمالات نشوب حرب أخرى بين إسرائيل وغزة ، قال غانتس إنه يأمل في أن تكون الردود العسكرية للحكومة الإسرائيلية الجديدة أكثر قوة على غزة، وقال أن هذا الشيء بجانب تقديم مساعدات اقتصادية للقطاع، من شأنه أن يقلل من شهية يحيي السنوار رئيس المكتب السياسي لحركة حماس للقتال.
السنوار الذي قصفت المقاتلات الإسرائيلية منزلين يملكهما في الحرب الأخيرة ضد قطاع غزة صيف العام الماضي والتي تزامنت مع الأيام الأخيرة من شهر رمضان وأيام عيد الفطر للمسلمين، وصفه بني غانتس بقوله: "السنوار يعاني أيضًا من ضغوط ، و لديه ٢ مليون من سكان غزة فوق رأسه.. وبرغم ذلك فهو شخص يعتز بقوته أكثر مما أعتقد أنه يملك من القوة الفعلية، واذا لم تكن تلك الضغوط التي عليه تكفيه، فنحن أقوى منه".
في الداخل الإسرائيلي:
غانتس الذي أصبح سياسيًا قبل ثلاث سنوات فقط بعد أن عمل في الجيش. شهد بالفعل الصعود والهبوط الدراماتيكي الذي يصاحب الحياة السياسية في إسرائيل.
فقبل عام واحد من الآن بدا أن مستقبله السياسي موضع شك: كان اتفاق تقاسم السلطة الذي عقده مع نتنياهو ليشكلا معا الحكومة السابقة، بأن يتولي نتنياهو الحكم لعامين، ثم يتولاه هو لعامين، فيكتمل عمر الحكومة المقدر بأربع سنوات، كان هذا الاتفاق ينهار.
حينها كان غانتس موضع سخرية العديد من الحلفاء السابقين لأنه وضع ثقته في رئيس الوزراء آنذاك، وهو السياسي الماكر المشهور بالمناورات مع خصومه.
لكن غانتس قال إنه قد ظهر أنه دافع عن نفسه بشكل ناجح تماما، بعد أن منع نتنياهو في البداية من الفوز في الانتخابات المتتالية، ثم ساعد في الإطاحة به. قائلا: "لقد كانت رحلة صعبة ، لكنها رحلة ناجحة".
وردا على سؤال حول تكهنات وسائل الإعلام بأن علاقته بكبار الوزراء في مجلس الوزراء مضطربة، قال غانتس إنه "يأمل" في أن تنهي الحكومة الجديدة فترة ولايتها. - وهي حكومة ائتلاف مشكلة من تحالف عجيب من أحزاب الوسط واليسار واليمين ، وكذلك حزب عربي إسلامي اضطروا للتجمع معا ليشكلوا بمقاعدهم في الكنيست حكومة بعد فشل كل الأحزاب الإسرائيلية في عدد من الانتخابات المتتالية التي بدت أنها لن تنتهي -.
وقال: "بشكل عام ، تعمل الحكومة بشكل جيد - نحن نوفر مساحة لبعضنا البعض [للعمل] ... لكنني من أقود حينما تتعلق المسألة بالأمور الأمنية".
وبينما، يثور الشك حول ما إذا كان يمكن لمثل هذا التحالف الحكومي المتباين بمقدوره أن ينفذ يومًا ما التهديدات العسكرية التي وجهها نتنياهو ضد إيران لسنوات بسبب برنامجها النووي (والتي يرددها غانتس وآخرون الآن).
فإن وزير الدفاع غانتس يقول: "الحكومة ستقرر كل ما هو مطلوب ... وأنا متأكد من أننا إذا طلبنا من الجيش أن يتحرك فسوف يقدم لنا الحلول". "هذا لن يتغير".
-------
ترجمة المعرفة للدراسات من مجلة فورين بوليسي، مع عديد من الإضافات والمعلومات التي اضيفت بواسطة المعرفة للدراسات.
المحتوى علي الفورين بوليسي بقلم نيري زيلبر، وهو صحفي يغطي الشرق الأوسط، وزميل مساعد في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى. وهو مؤلف مشارك في وضع كتاب "دولة بلا جيش ، جيش بلا دولة: تطور قوى أمن السلطة الفلسطينية (١٩٩٤ : ٢٠١٨)".