كما كان متوقعا -وإن لم يكن بهذه السرعة مطلقا-، بدأت صباح اليوم عناصر حركة طالبان في دخول ضواحى وتخوم العاصمة الأفغانية "كابل"، بعد أقل من يوم من دخولها "مزار شريف" المدينة التي تعتبر معقل مضاد للحركة، وأخر مدينة رئيسية شمال البلاد كانت لا تزال تحت سيطرة الحكومة.
أحد مقاتلي طلبان، Attribution 2.0 Generic (CC BY 2.0), Flickr |
بيان صدر صباح اليوم عن الداخلية الأفغانية أوضح أن عناصر طالبان يدخلون كابل "من جميع الاتجاهات".
تحرك سريع:
يأتي بدأ دخول طالبان لضواحى كابل (تشير الانباء لدخولهم مناطق كالاكان وقراباغ وباغمان)، رغم أنه لا يزال هناك نحو ألف جندي أمريكي في العاصمة الأفغانية، وكان من المتوقع أن يرتفع عددهم إلي خمسة آلاف خلال الأيام المقبلة، للإشراف علي خروج البعثة الدبلوماسية الأمريكية من أفغانستان، بخلاف المتعاونين الأفغان مع الأمريكيين خلال عشرين عاما منذ غزو أفغانستان عام ٢٠٠١.
وقال مصدر أمني أفغاني أنه تجري حاليا اشتباكات عنيفة بين مسلحي طالبان والقوات الأفغانية في محيط قاعدة باغرام التي و في موقف هزلي.. القوات الأمريكية تغادر قاعدة باغرام الجوية واللصوص ينهبونها ، مطلع الشهر الماضي، بعدما قطعوا الكهرباء عنها، وركبوا طائراتهم ثم غادروا بشكل جماعي دون إبلاغ القوات الأفغانية، التي لم تكتشف الحادثة وتصل إلي القاعدة إلا بعد ساعات، تركت خلالها القاعدة عرضة لنهب اللصوص.
بهذا التحرك السريع، فرضت حركة طالبان تغييرا كبيرا علي الأمريكيين دفعهم لتسريع مذهل في عملية إجلاء المواطنين الأمريكيين والمتعاونين الأفغان.
مطار كابل:
تتركز الآن أنظار جميع البعثات الدبلوماسية الدولية وليس الأمريكية فقط، والمتواجدين في كابل نحو مطارها، إنه المكان الوحيد الذي لا يزال تحت سيطرة الحكومة الأفغانية ويمكن السفر منه إلي خارج أفغانستان، بعدما سيطر مقاتلي طالبان علي جميع المعابر الحدودية الأفغانية.
مطار كابل، المكان الوحيد المتاح لمغادرة أفغانستان حاليا، Carl Montgomery, Attribution 2.0 Generic (CC BY 2.0), Flickr. |
لكن من غير المتوقع أن تعرقل طالبان حركة الاجلاء للبعثات الدبلوماسية حتى لا تخلق دوافع لتلك الدول التي تجلي رعاياها للعودة وتوجيه الضربات ولو الجوية إليها مجددا، هذا بخلاف أن بيان صدر عن حركة طالبان نفسها منذ ساعات جاء فيه أنها لا تنوي استخدام القوة في دخول كابول، العاصمة التي يسكنها زهاء خمسة ملايين نفس.
في ذات السياق، أعلنت بعض شركات الطيران العالمية وقف رحلاتها إلي أفغانستان، ومن بينها "طيران الإمارات" التي قال المتحدث باسمها أن شركته أعادت طائرة الرحلة EK640 التي كانت تقترب من مطار حامد كرزاي الدولي بعد الإغلاق المفاجئ لمدرج المطار.
بينما أعلن وزير الخارجية الأمريكي "أنتوني بلينكن" قبل عصر اليوم، أن السفارة الأمريكية بالكامل قد انتقلت إلي مطار كابل الدولي.
حصار كابل:
طالبان أضافت في بيانها أنها تريد دخول المدينة بالسلام لا بالقوة أو العنف علي حد وصفها، وأنه لن يصيب الضرر حياة أو ممتلكات أو كرامة أي شخص، وأن أرواح مواطني كابول لن تتعرض للخطر.
بالتالي اصبح الوضع الفعلي علي الأرض الآن، هو أن العاصمة الأفغانية كابل أصبحت محاصرة بعناصر وقوات طالبان من جميع الاتجاهات.
حركة طالبان وفي دعوة تبين مدى إنهيار الأوضاع، دعت عناصر الجيش الأفغاني للعودة إلي منازلهم، وإن كان وزير الدفاع الافغاني قد أكد تمسك قواته بالدفاع عن العاصمة، وهو الأمر الذي يكاد يكون مستبعدا تماما.
وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية الشهيرة، فإن "خليل زاد"، وهو الموفد الأمريكي الخاص لأفغانستان، طلب رسميا من حركة طالبان عدم دخول كابل حتى تنجز قوات بلاده عملية إجلاء مواطنيها والمتعاملين الافغان معهم، وبحسب ذات الصحيفة فإن عدد المواطنين الأمريكيين في أفغانستان صباح هذا اليوم يصل إلي نحو ١٠ آلاف مواطن أمريكي.
هجوم علي البنوك:
ومع انتشار أنباء حصار الحركة لكابل، اندفع سكانها في أمواج بشرية نحو البنوك ومحلات الصرافة، لسحب أرصدتهم وودائعهم، ومدخراتهم التي عاشوا حياتهم من أجل جمعها.
هذا التدافع، اضطر بعض البنوك لغلق أبوابها بسبب نفاذ السيولة المالية فيها، جراء عدم قدرتها علي صرف ودائع وأرصدة عملائها جميعا في نفس الوقت. كما توقفت معظم ماكينات الصراف الآلي للنقود ATM بعد سحب كل المبالغ التي كانت بداخلها.
في هذا الصدد، وجهت حركة طالبان رسالة للبنوك بالاطمئنان وأنها ستسمح بمواصلة عملها بشكل اعتيادي، داعية المواطنين لعدم الخروج من منازلهم بداعي الخوف، لكن مقاطع فيديوهات وصور انتشرت تظهر اختناقات مرورية لسيارات وحافلات يهرب بها مواطني كابل من مدينتهم.
مفاوضات:
في الاثناء، نقلت وكالة اسوشيتد برس عن مسؤول افغاني قوله أن ممثلين عن حركة طالبان توجهوا إلي القصر الرئاسي للتفاوض حول دخول المدينة دون قتال، وتسلم السلطة من الحكومة.
وطلب المسؤول الأفغاني عدم الكشف عن اسمه خوفا من انتقام طالبان، وأضاف أن الحديث سيدور حول دخول طالبان للمدينة واستلام مقاليد العاصمة بشكل سلمي.
كما بدأت تتسرب الأنباء عن احتمالية تخلي الرئيس "أشرف غني" عن السلطة، وتشكيل حكومة مؤقتة. كما أوردت صحيفة "وول سترييت جورنال" الأمريكية أن كل من الحكومة الأفغانية وواشنطن، طلبتا من طالبان تأجيل دخولها لكابل مدة أسبوعين حتى يتم الاتفاق علي تشكيل حكومة جديدة.
الفشل العظيم:
تعتبر هذه الأحداث الجارية، فشلا عظيما للولايات المتحدة الأمريكية علي جميع الأصعدة، وخصوصا السياسية والعسكرية، فهاهي الحركة التي شنت حربا شعواء ضدها منذ ما يقارب العشرين عاما، تعود بقوة جارفة للسيطرة علي أفغانستان حتى قبل أن ينتهي الإنسحاب الأمريكي منها بشكل كامل.
جنود من مشاة البحرية الأمريكية "المارينز" ، جنوب أفغانستان، ٣ مايو ٢٠٠٩، DVIDSHUB, licensed under the terms of the cc-by-2.0. |
انفقت الولايات المتحدة وحلفائها مئات المليارات من الدولارات، بخلاف خسائرهم البشرية والعسكرية، ورغم ذلك باءت حملتهم في أفغانستان بفشل ذريع، سيوضع في التاريخ كمثال ثاني علي فشل القوة العسكرية الأمريكية بعد فيتنام.
لم تفشل الولايات المتحدة في هزيمة طالبان علي مدار عقدين من القتال فحسب، بل أثبتت كذلك انعدام قدرتها علي تكوين جيش وقوات أمن أفغانية حقيقية.
فقط كل ما أحتاجه مقاتلي طالبان هو ما يزيد عن أسبوع ليبسطوا نفوذهم علي البلد، وليلحقوا هزيمة ساحقة بكل القوات الأفغانية الحكومية التي حاولت التصدي لها، كما وفرت القوات الحكومية في عديد المدن والمناطق العناء علي مقاتلي الحركة، حينما اختارت الفرار من أمام مقاتلي طالبان، حدث كل هذا في غضون عدة أيام برغم الدعم الجوي من الأمريكيين، ومن سلاح الجو الافغاني أيضا.
اليوم، تم التقاط صور تاريخية ستظل في الذاكرة طويلا، للمروحيات الأمريكية وهي تواصل التحليق بين السفارة الأمريكية ومطار كابل في عملية تتسم بالسرعة لنقل كل الامريكيين للمطار والطيران بهم خارج أفغانستان، لتسجل هزيمة تاريخية للقوة العسكرية والاقتصادية الأولى في العالم.
وإذا ما كان الأمريكيين وحلفائهم قد تمكنوا في نوفمبر من عام ٢٠٠١ من ازاحة حركة طالبان من السلطة، فإن الحركة نجحت في أغسطس ٢٠٢١ أن تلقي بأمريكا خارج أفغانستان بالكامل.