الجنوب السوري يعود كساحة قتال رئيسية في الحرب الأهلية السورية.
اشتباكات سابقة في الحرب الأهلية السورية، صورة لمقاتلين مواليين للحكومة السورية، الصورة من راجا نيوز الإيرانية. |
بينما يري مركز "ستراتفور" الأمريكي الشهير للدراسات، والوثيق الصلة بالاستخبارات الأمريكية، أنه إذا فشلت القوات الحكومية والمعارضة في سوريا في توقيع اتفاق جديد لوقف إطلاق النار، فقد يؤدي تصعيد القتال مجددا للمرة الأولى منذ عام ٢٠١٨، إلى إثارة الاضطرابات في مناطق أخرى يسيطر عليها نظام الأسد، كما ستبدأ تدفقات جديدة من اللاجئين في النزوح نحو المملكة الأردنية الهاشمية، لكن سيناريو آخر يقول العكس، بإن هذه المعارك نفسها قد تكون كلمة النهاية للحرب في سوريا.
درعا:
عند درعا مجددا، اندلعت التوترات بين قوات النظام السوري والمسلحين الذين تنتمي أعداد منهم لتنظيم داعش الإرهابي، في ٢٩ تموز / يوليو الماضي.
ودرعا مدينة حدودية في الجنوب السوري، اشتهرت في الحرب الأهلية السورية بسبب المعارك الهائلة التي دارت حولها، وعلي أبوابها، وفي أرجائها. وإن كان أهم أسباب شهرتها أن المظاهرات الأولى ضد بشار الأسد ونظامه عام ٢٠١١، انطلقت من درعا بالتحديد.
اشتباكات بين المتظاهرين في درعا وقوات الأمن السورية في بداية الأحداث في سوريا، Ibrahim moukdad, licensed under the Creative Commons Attribution-Share Alike 3.0 Unported license, Wikimedia Commons |
المرصد السوري لحقوق الإنسان المعارض، وصف الاشتباكات التي تدور هذه الأيام، بـ "أعنف وأوسع الاشتباكات في درعا منذ أن أصبحت تحت سيطرة النظام". كان ذلك في صيف العام ٢٠١٨، عندما تدخلت روسيا لاتمام الاتفاق بين الطرفين.
حينها توقفت أصوات المدافع والبنادق، وصمتت فوهات الدبابات، وتحت رعاية الروس، تحركت قوافل من آلاف المقاتلين المعارضين نحو الشمال.
الروايتين:
وكعادة كل حرب، بل كل نزاع بشري، توجد روايتين لما يحدث الآن في درعا.
ففي دمشق، صدرت صحيفة "الوطن" السورية لتتحدث عن بدأ عملية عسكرية ضد المسلحين، فيما تقول مصادر ممن يسمون "نشطاء" ومن مصادر المعارضة السورية بإن الثوار اتخذوا حواجز عسكرية لأنفسهم، وصدوا هجمات القوات الحكومية.
لكن لماذا بدأ القتال أصلا؟.
منذ ٢٥ حزيران / يونيو بدأت الازمة، بطلب من القوات السورية الحكومية وجهته للمسلحين بتسليم أسلحتهم الخفيفة والمتوسطة والثقيلة، والسماح لقوات الحكومة بوضع حواجز تفتيش داخل حي درعا البلد، المنطقة التي تدخل ضمن ٢٥ منطقة لا تزال تحت سيطرة هؤلاء المسلحين داخل محافظة درعا، وكذلك تفتيش المنازل، مع نقل خمسة من قيادتهم لمناطق الشمال السوري التي يسيطر عليها المسلحين المدعومين من تركيا كونهم من رافضي الاتفاق، وكل تلك المطالب مبنية علي بنود إتفاق وقف إطلاق النار الموقع في عام ٢٠١٨.
رفض المسلحين تسليم حتى سلاحهم الخفيف، ما دفع القوات الحكومية لمحاصرتهم داخل حي درعا البلد، ومن هنا بدأ القتال.
القوة السورية في درعا تتمثل بالفرقة الرابعة المدرعة، أقوى فرق الجيش السوري، وأرقاها تدريبا، والتي ارتبطت دوما بالرئاسة السورية نفسها، فمؤسسها هو "رفعت الأسد"، شقيق الرئيس الراحل حافظ الأسد وعم الرئيس الحالي، وقائدها حاليا هو "ماهر الأسد" شقيق الرئيس بشار الأسد.
وفي نفس الوقت، لا يكتفي المسلحين بالدفاع عن الحي، بل يشنون هجمات ضد بعض القري في ريف درعا.
الحسم:
في نفس الوقت الذي أعرب فيه المبعوث الخاص للأمم المتحدة لسوريا غير بيدرسن، يوم أمس، عن قلقه من تدهور الأوضاع في درعا جنوب غربي سوريا.
يبدو أن الحكومة السورية تريد حسم الحرب الأهلية التي مزقت البلاد تمزيقا منذ عام ٢٠١١، وأنها هي من دفعت الأمور لتجدد القتال مجددا، فبالسيطرة علي درعا، ستصفي الوضع في الجنوب، ولا يبقي لها من المناطق الخارجة عن سيطرتها إلا مناطق الشمال حيث القوات المدعومة من تركيا، والتي ستحاول حسمها بأي وسيلة ولو بالسياسة.
لا يبدو في هذا الأمر تعارض مع موافقة القيادة العسكرية السورية في منطقة درعا علي وقف القتال ابتداءا من اليوم الجمعة، وذلك بمبادرة روسية جديدة، لكنها لا تحوي إلا نفس شروط الحكومة السورية من تسليم السلاح، وعودة درعا البلد لسيطرة جميع مؤسسات الحكومة السورية، مع مغادرة كل الرافضين لهذا الاتفاق نحو الشمال السوري.
السوريين يعتبرون أن موافقتهم علي الطرح الروسي بمثابة "الحل الأخير" قبل شنهم عملية عسكرية واسعة النطاق لاستعادة درعا البلد بالكامل.
ومع تراجع الدعم من بعض الدول والجهات للجماعات المسلحة في سوريا، فإن الأمور في درعا يبدو أنها ستحسم لصالح حكومة بشار الأسد، خصوصا مع استعادة الجيش السوري لكثير من قدراته في الحرب البرية، ليفرغ لمسألة الشمال، والتي سيكون من المكلف دوليا واقتصاديا علي نظام أردوغان التركي استمرار تموضع قواته هناك، ودعمه للمسلحين في معركة يبدو أنه لن يستطيع كسبها.