قديما قالت العرب "من عرف لغة قوم أمن مكرهم"، واللغة هنا لا تعني الحروف والمفردات والقواعد التي تجتمع معا لتشكل اللغات البشرية فحسب، بل تشمل الثقافة العامة لهؤلاء القوم، أدبهم، تاريخهم، عاداتهم وتقاليدهم، وحتى طريقة تفكيرهم وتعاملهم مع الأمور.
طائرة سي-١٣٠ إسرائيلية، قاعدة نيفاتيم الجوية، José Luis Celada Euba, Attribution-NonCommercial-ShareAlike 2.0 Generic (CC BY-NC-SA 2.0) |
والحديث عن خدمة طائرات السي-١٣٠ هرقليز "Lockheed C-130 Hercules Karnaf"، في إسرائيل، يعد تطبيقا عمليا لهذه الحكمة العربية القديمة، فطائرة النقل التكتيكية متعددة المهام، كانت جزءا أساسيا من تاريخ العمليات الحربية الإسرائيلية منذ سبعينيات القرن العشرين وحتى اليوم.
كما يمهد لفهم أكبر للتكتيكات التي استخدمها الإسرائيليين، للاستفادة من طائرات النقل التكتيكية متعددة المهام في بعض أهم عملياتهم العسكرية خلال تلك الفترة.
فالتفوق الجوي الإستراتيجي الذي تسعي إسرائيل دوما لتأمينه في منطقة الشرق الأدنى، لا يتوقف عند حد المقاتلات أو الطائرات المروحية الهجومية أو الطائرات دون طيار UAV، بل يشمل طائرات النقل التكتيكي وعلي رأسها سي-١٣٠.
الأب المؤسس:
تعتبر طائرات سي-١٣٠ هرقليز "Lockheed C-130 Hercules" متعددة المهام، صاحبة أطول مدة خدمة في صفوف سلاح الجو الإسرائيلي منذ تأسيس الكيان الصهيوني في مايو عام ١٩٤٨، ومع ذلك لا تزال إسرائيل تستعملها، تطور القديم منها، بل وتشتري العديد من نسخها الأكثر تطورا، يبدو أن الإسرائيليين وجدوا فيها حلا مثاليا لمتطلباتهم في طائرات النقل التكتيكية.
منذ سنوات، تقاعد جوشوا "شيكي" شاني، برتبة العميد طيار من سلاح الجو الإسرائيلي، إنه الأب المؤسس لأسراب سي-١٣٠ متعددة المهام في إسرائيل، وأحد أيقونات قواتها الجوية.
لقد كان هو نفسه قائدا لواحدة من أول طائرتين سي-١٣٠ تصل لإسرائيل، حيث طار بها من بلد الصنع "الولايات المتحدة الأمريكية" عندما تعاقدت عليها إسرائيل في أكتوبر عام ١٩٧١، واستمر جوشوا شاني يحلق بطرازات السي-١٣٠، لمدة ٢٥ عاما متتالية، أي حتى العام ١٩٩٦، كان أهم ما قام به من عمليات خلالها مشاركته في الغارة الإسرائيلية علي مطار عنتيبي في أوغندا لإنقاذ الرهائن الإسرائيليين هناك.
بشكل عام، لدي شاني كطيار ١٣٠٠٠ ساعة طيران، حوالى نصفهم قضاهم كطيار سي-١٣٠ هرقل، في صفوف سرب ‘Knights of the Yellow Bird’ أو فرسان الطائر الأصفر -سمي هذا السرب بهذه التسمية في إسرائيل بسبب تمويه طائرات سي-١٣٠ الإسرائيلية باللون الأصفر الصحراوي-... هذا السرب أيضا يسمي بالأفيال “The Elephants”.
الاحتياج:
علي الرغم من أن السي-١٣٠ لم تصل إلي إسرائيل إلا عام ١٩٧١، فإن الإسرائيليين ابدوا اهتمامهم بها منذ مطلع الستينيات، عندما كانوا يجهزون أوراقهم للعدوان علي الدول العربية الذي شنوه في يونيو ١٩٦٧.
لكن بعض العقبات المالية منعت من إتمام الصفقة حينها، كما كان هناك وقتها بعض العقبات السياسية لاتمام الصفقات العسكرية الأمريكية مع إسرائيل، وكانت الأخيرة تركز صفقاتها مع فرنسا التي كانت تعادي النظام المصري برئاسة الزعيم جمال عبد الناصر، والذي اجبرهم علي ترك الجزائر بعد احتلالهم الطويل لها، وأمم قناة السويس التي كانت فرنسا تملك حصة كبيرة في أسهمها.
مظليين إسرائيليين يقفزون من طائرة نور أطلس، ٢٩ أغسطس ١٩٦٧، Dan Hadani, Public Domain, Wikimedia. |
عندما اندلعت الحرب في صيف عام ١٩٦٧، ادرك الإسرائيليين أنهم يحتاجون للسي-١٣٠ بالفعل، لتعطيهم مدى عمليات أطول، وقدرات نقل أعلى، خصوصا مع وقوع حادثة لطائرات "نور أطلس" الفرنسية التي كانوا يملكونها فوق شرم الشيخ حينما اصطادتها مقاتلات ميج مصرية يوم ٨ يونيو، قبل تنفيذها مهمة اسقاط قوات النخبة من المظليين الإسرائيليين لاحتلال شرم الشيخ، فتم تدمير طائرتين منها، ومقتل كل المظليين الإسرائيليين علي متنها.
كما كانت حرب الاستنزاف التي شنتها مصر ضد إسرائيل خير دليل علي أن السي-١٣٠ أصبحت ضرورة بالنسبة لتل ابيب، للتعامل مع الجبهة القتالية الواسعة التي فتحها عليهم الجيش المصري، ولم تعد طائرات نور أطلس ولا داكوتا، قادرتين علي مجابهة ذلك الهجوم المصري الواسع المدى الزمني، والنطاق الجغرافي.
من الداخل:
اذا نظرنا لطائرات السي-١٣٠ من الداخل، سنجد طائرة رتبت المقاعد بداخلها، ليجلس الجنود في صفوف متوازية، المسافات بينها ضيقة إلي حد أن ركب الجنود من الجهتين ستتلامس.
يجلس الجنود علي مقاعد قماشية، وهم بهذا الوضع، يشمون رائحة عادم الطائرة يتخلل إلي صدورهم. ونظرا لقلة النوافذ في الطائرة، يصبح الجلوس خانقا بشكل أكبر.
نتحدث اذن عن طائرة تقدم رحلة وعرة، ورغم ذلك تمسك بها الإسرائيليين وبشدة... فما السر وراء ذلك؟.
بخلاف أن السي-١٣٠ في الأصل طائرة متميزة، واثبتت نجاحها حول العالم بدليل اختلاف طرازاتها إلي ١٠٠ طراز، وأنها لا تزال تطلب منذ بدء انتاجها عام ١٩٥٤ حتى اليوم من دول مختلفة للخدمة في أسلحة الجو لديها، وأنه حتى العام ١٩٩٢، أي منذ نحو عشرين عام تلقت شركة لوكهييد المنتجة لها طلب انتاج الطائرة رقم ٢٥٠٠، ما جعل السي-١٣٠ هي أكثر طائرة نقل بيعت في التاريخ بعد الأسطورة "داكوتا".
بخلاف كل تلك الأسباب، كان لدي الإسرائيليين أسباب أخرى للتمسك بالطائرة.
المواصفات العامة للطائرة:
أبعاد الطائرة:
- التباعد بين جناحي الطائرة: ٤٠،٤١ متر.
- الطول: ٢٩،٧٩ متر.
- الأرتفاع: ١١،٦٦ متر.
- مساحة الجناحين: ١٦٢،١٢ متر مربع.
الأداء:
- السرعة القصوى: ٦١٨ كم/ ساعة.
- سقف الطيران (أقصى ارتفاع يمكن أن تصل إليه الطائرة): حوالى ١٠،٠٠٠ متر.
- المدى: ٧٨٧٦ كم.
الوزن:
- فارغة: ٣٤،٨٢٧ كجم.
- أقصى وزن عند الإقلاع: ٧٩،٣٧٩ كجم.
- هذا يعني أن حمولة الطائرة التي يمكنها نقلها سواء كانت مركبات أو معدات أو أفراد: ٤٤،٥٥٢ كجم.
المحركات:
- أربع محركات من نوع Allison T56-A-15.
- كل محرك من المحركات الأربعة لديه قدرة ٤٥٠٨ حصان.
أجنحة شمشون:
في التاريخ اليهودي القديم تبرز شخصية تعد من أبطال التراث اليهودي هو "شمشون بن منوح".. والذي يمثل في ذهن الكثير من اليهود رمزا للقوة وللقيادة، والبطولة الشعبية.
شمشون، زيت على لوحة قماشية للرسام فالنتين دي بولوني، رسمت حوالى عام ١٦٣٠، من معروضات متحف كليفلاند للفنون، Creative Commons CC0 1.0 Universal Public Domain Dedication |
ومن التراث، كثيرا ما يستدعي الإسرائيليين اسم شمشون كلقب يمنحونه لكل رموز قوتهم الحديثة، وعلي هذا الأساس يسمي الإسرائيليين طائراتهم من طراز سي-١٣٠ بأجنحة شمشون.
لكن قبل الحصول علي هذا اللقب، كان علي أسراب طائرات سي-١٣٠ التابعة للقوات الجوية الإسرائيلية أن تعمل علي مر السنين في سلسلة من المهام الغير تقليدية. فماذا حدث؟...
الاغارة علي مطار عنتيبي:
يذهب بعض مؤرخي الطيران العسكري للقول أنه ورغم قلة التركيز علي ما فعلته إعلاميا، وعدم الكشف عن بعض العمليات من الأصل، ففي بعض المناسبات، كان وجود طائرات سي-١٣٠ الإسرائيلية في الجو أهم من الأسراب القتالية، علي الرغم من أن القوات الجوية الإسرائيلية تعتبر في الأصل قوة مقاتلات.
كانت العملية الأولى التي وضعت السي-١٣٠ في موضع متميز، هو الاستخدام الإسرائيلي الناجح لها في الاغارة الإسرائيلية علي مطار عنتيبي في أوغندا
وبينما ركزت معظم الكتابات علي قوات الكوماندوز التي قامت بالاشتباك مع القوات الأوغندية والخاطفين، وتحرير الرهائن، فقلة من الأقلام التي تناولت العملية قد أنتبهت لحقيقة أن العملية بشكل أساسي كانت عملية قوات جوية.
السي-١٣٠ والتي من ألقابها في إسرائيل كذلك "وحيد القرن"، تحركت في تشكيل مكون من أربع طائرات في رحلة تمتد لمسافة نحو ٢٥٠٠ ميل، وكان عليهم أن يتجنبوا الاكتشاف طوال الرحلة، حتى لا يضيع العنصر الأساسي للعملية "عنصر المفاجأة".
لم يكن الأوغنديين يحتاجون لاطلاق صاروخ أو طلقة للدفاع الجوي، ولا تحريك مقاتلة واحدة من مقاتلات الميج التي جلبها الرئيس عيدي أمين. لمنع الإسرائيليين من تنفيذ العملية، كان يكفيهم فحسب وضع مجموعة من الشاحنات في مدرج المطار لجعل عملية هبوط طائرات السي-١٣٠ في مطار عنتيبي مستحيلة.
كان هناك قلق ثاني لدي الإسرائيليين من أن الأوغنديين قد يغلقوا إضاءة المدرج في مطار عنتيبي، وبالتالي فلن تتمكن الطائرات من الهبوط بشكل سليم وآمن، وقد يحدث إن حاولت الهبوط أن تهبط في أماكن غير مؤهلة للهبوط ما يؤدي لتحطمها وتنتهي العملية بفشل كامل، وفضيحة دولية.
لكن هذا السبب الثاني للقلق عثروا علي حل له، فقاموا بتركيب إضاءة مؤقتة في مقدمة طائرة قائد السرب، والذي كان جوشوا شاني نفسه.
اثبتت الفكرة أهميتها فيما بعد، اذ كانت أضواء مطار عنتيبي مقطوعة بالفعل حينما وصلت الطائرات الإسرائيلية.
ارتفاع الأسهم:
بشكل جنوني، شهدت فترة ما بعد عملية الاغارة علي مطار عنتيبي، ارتفاع في أسهم طائرة سي-١٣٠ لدي كل القادة والطيارين في سلاح الجو الإسرائيلي.
نظر الجميع للطائرة بنفس التقدير الذي ينظر به إلي الطائرات المقاتلة كالاف-٤ فانتوم عماد سلاحهم الجوي حينها، أو القادمتين حديثا من أمريكا (الاف-١٥ والاف-١٦).
كما كان للنجاح في عنتيبي دورا حاسما في مسح الصورة السلبية التي نظر بها للسي-١٣٠ في العام السابق للعملية (١٩٧٥)، حينما اصطدمت طائرة سي-١٣٠ بجبل في صحراء شمال سيناء في المنطقة التي كانت إسرائيل لا تزال تحتل جزء منها بعد حرب أكتوبر ١٩٧٣، خلال تدريب ليلي كانت تقوم به، وهو الحادث الذي أسفر عن مقتل جميع من كانوا علي متنها وقتها وعددهم ٢٠ فردا.
ومن هنا كانت السي-١٣٠ علي موعد مع الأختبار الثاني... لكن قبل ذلك كان القرار قد اتخذ بزيادة أعدادها.
اعطونا طائرة مجانا:
عاد "جوشوا شاني" للولايات المتحدة من جديد، لقد كان أول من جاء بالسي-١٣٠ لإسرائيل كما ذكرنا، وكان هو أيضا قائد السرب الذي طار إلي عنتيبي.
وصل شاني لأمريكا مجددا ليستلم طائرات C-130H الجديدة التي تعاقدت عليها إسرائيل حينها.
وبطبع يهودي أصيل، طلب شاني من رئيس شركة لوكهييد طائرة مجانية، واستند في طلبه هذا إلي عملية عنتيبي، قائلا له أن هذه العملية روجت للطائرة، ويبدو أن رئيس الشركة لم يكن متأكدا من كون هذا الطيار الإسرائيلي جادا ام انها مجرد دعابة فحسب.
في اليوم التالي، اتصل رئيس شركة لوكهييد بالطيار الإسرائيلي قائلا: "لقد أعطيت بعض الاعتبار لما قلته"، ثم أرسل له نموذج مصغر للطائرة ليضعها في مكتبه في إسرائيل، بدلا من الطائرة الحقيقية المجانية التي كان شاني قد طلبها.
جلب الفلاشا:
كانت العملية الثانية هي "شلومو" التي قامت فيها الدولة العبرية بجلب يهود الفلاشا الإثيوبيين إلي أراضيها بداية من العام ١٩٧٧.
حلقت السي-١٣٠ عبر آسيا وأفريقيا، في رحلة تمتد لالاف الكيلومترات، لتنفيذ عمليات النقل هذه.
استغل الإسرائيليين ظروف المجاعة التي حدثت في إثيوبيا بعد ذلك بأعوام، وزادوا من أعداد اليهود الفلاشا الذين نقلوهم، فبلغ عددهم حوالى ٨ آلاف خلال عامي ١٩٨٤ : ١٩٨٥، وفي العملية سليمان تم جلب ١٤،٣٢٥ يهوديا آخرين من يهود إثيوبيا في مايو عام ١٩٩١.
انقذوا الدبلوماسيين:
رغم قسوة شتاء العام ١٩٧٩ في إيران، إلا أن ثورة إسلامية اندلعت فيه لتجعله أكثر سخونة بكثير، بعدما نجحت في فبراير من ذلك العام بالاطاحة بحكم الشاه الإيراني الأخير "محمد رضا بهلوي"، الذي سيغادر البلاد نحو العاصمة المصرية القاهرة حيث سرعان ما سيموت في العام التالي مباشرة عام ١٩٨٠ وسيدفن فيها بإشراف وحضور الرئيس المصري الراحل أنور السادات.
كان الشاه رضا بهلوي ذو علاقات وطيدة للغاية مع الغرب، وحين قامت الثورة ضده، كان الكثير من الدبلوماسيين الغربيين والأمريكيين، وكذلك الإسرائيليين متواجدين في إيران، وحينما غادر الشاه، اتخذت النظرة الإيرانية لعلاقتها بإسرائيل منعطفا جذريا هائل السرعة نحو الأسوأ، وتحول الحليفين السابقين إلي عدوين لدودين، أما الدبلوماسيين فقد أصبحوا جميعا في حكم الرهائن.
غيرت الثورة الإسلامية كل شيء في إيران، صورة لمظاهرة من وقت اندلاع الثورة، Unknown author, document under the terms of the GNU Free Documentation License, Version 1.2 or any later version |
حوصرت فرقة مؤلفة من ٣٤ دبلوماسيًا إسرائيليًا ومعهم عملاء استخبارات، وأفراد من الجيش الإسرائيلي، بل ورجال أعمال في إيران. كما أحرقت مكاتب شركة "العال" الإسرائيلية للطيران المدني بشكل كامل، ونهب الثوار الإيرانيين السفارة الإسرائيلية وأشعلوا فيها النيران.
أمر وزير الدفاع الإسرائيلي حينها "عيزرا وايزمان" بوضع خطط لعملية إنقاذ جوي، وكالعادة نظر الإسرائيليين إلي السي-١٣٠.
كان لديهم حينها خيارين فحسب، الهبوط في احد الاستادات الرياضية، أو بجانب طريق سريع شرقي طهران، لكن جوشوا شاني عاد للصورة مجددا، ورفض اقتراح الهبوط في الاستاد، وبرر رفضه بأن أرضية الاستاد كانت شديد الانحدار، كما أن المساحة قد لا تكفي لهبوط واقلاع آمن، وكان من رأيه أنه لو تم اختيار الاستاد، فإن احتمال تحطم طائرات السي-١٣٠ ستكون "شبه مؤكدة".
أما الطريق السريع شرقي طهران، والذي يخترق الصحراء، فيعد مكانا مناسبا للغاية، في النهاية اعتمد القادة الإسرائيليين المخططين للعملية رأي قائد أسراب السي-١٣٠.
كانت الخطة ببساطة تقضي بالهبوط بجوار الطريق السريع، حيث سيتم الالتقاء بشاحنة تحمل الإسرائيليين، وتنطلق لتغادر إيران التي سيحكمها نظام يعادي إسرائيل حتى اليوم.
لكن شيئا من ذلك كله لم يحدث، في النهاية، قرر الإسرائيليون الاعتماد على الولايات المتحدة، التي كانت تنظم بعد ذلك عملية إخلاء من إيران للدبلوماسيين الأمريكيين العالقين في سفارتها المحاصرة في طهران.
رغم كل ذلك، فإن الإسرائيليين لم ينظموا تلك العملية، كما لم يساعدهم الأمريكيين أيضا، فلقد حصلوا علي ممر آمن من قبل عناصر علمانية في الحكومة الإيرانية الجديدة، وسافر ال٣٤ عالقا على متن طائرة تابعة لشركة "بان آم" إلي فرانكفورت في ألمانيا.
العملية أوبرا:
العملية أوبرا، هي الأسم الكودي للغارة التي شنتها مقاتلات سلاح الجو الإسرائيلي ودمرت خلالها المفاعل النووي العراقي "أوزيراك" عام ١٩٨١، مستغلة تركيز العراقيين علي الجبهة الشرقية في حربهم وقتها ضد إيران.
حينها كان لزاما علي الإسرائيليين الاستعانة بالسي-١٣٠، حتى من قبل العملية، ذلك لأن العملية استدعت القيام ببعض التجهيزات السابقة لتنفيذها، ومنها نقل قوات كوماندوز لتحديد الهدف بدقة للطائرات التي ستهاجمه، وتوجيه الأسلحة التي ستطلقها ضده.
قبل ذلك، تم الدفع بطائرات اف-٤ فانتوم للقيام بعمليات استطلاع للمفاعل لتحديد شكله بدقه، وانتقاء الأماكن التي سيضرب فيها.
من أجل ذلك، وفوق الصحراء السعودية، كانت السي-١٣٠ تحلق لأربع ساعات متواصلة في مهام اعادة التزويد الوقود بالجو لكل تلك الطائرات، ومجددا اشترك جوشوا شاني في تلك العملية.. حيث كانت جميع الطائرات تطير علي ارتفاع منخفض للغاية لتجنب اكتشافها من الرادارات السعودية، لدرجة أن طائرات الفانتوم كانت تثير سحبا من رمال الصحراء.
وفي احدي الطلعات، وعند منتصف النهار بالتحديد، وصلت للطيار شاني رسالة تحذيرية من طائرة القيادة والسيطرة الإسرائيلية التي كانت تراقب الأجواء، تفيد بأن هناك زوجًا من طائرات القوات الجوية الملكية السعودية طراز اف-٥، ويبدو أنهما في طريقهما لاعتراض السي-١٣٠ الإسرائيلية، ولكن المراقبين طمأنوه بأن هاتين الطائرتين بالنظر لمدى تحليقهما فإنهما لن يشكلان تهديد عليه.
في العام التالي، سافر شاني للدراسة في كلية الحرب الجوية التابعة للقوات الجوية الأمريكية، وهناك استدعاه أحد المعلمين الأمريكيين وقال له أنه يريد اخباره بشيء ما.
لقد كان مدرسه الأمريكي في العام الماضي بالقرب منه، فلقد كان نفسه مدربًا للطيارين السعوديين علي متن طائرات اف-٥ في قاعدة تبوك الجوية في المملكة العربية السعودية.
أخبره المدرس الأمريكي، أنه وفي ذلك اليوم الذي وصلته الرسالة التحذيرية من طائرة القيادة والسيطرة الإسرائيلية، كان السعوديين يبحثون عنه بالفعل.
لكن إحدى طائرات الاف-٥ تجاوزت علامة "بنغو" -العلامة بنغو هي النقطة التي لا تمتلك بعدها الطائرة وقودًا كافيًا للعودة إلى قاعدتها-. ما اضطر الطيار للقفز منها بالمظلة، وتحطمت مقاتلته في الصحراء.
أما الطائرة اف-٥ الثانية فعادت إلى القاعدة، لكن طيارها فشل في خفض معدات الهبوط، مما ادي لتدمير الطائرة. كان الطيار شاني يزهو دوما بتلك القصة، ويعتبر ان في رصيده قتلين لطائرتين سعوديتين، في العرف الجوي أي طيار يتسبب في اسقاط طائرة حتى وإن لم يهاجمها بشكل فعلي، يعتبر أنه صاحب قتل.
بعيدا عن هذه الرواية الإسرائيلية، فهناك رواية أخرى في كتاب (بالسيف امريكا و اسرائيل في الشرق الأوسط ١٩٦٨ -١٩٨٦)، للكاتب الصحفي "ستيفن غرين" المنشور في شتاء عام ١٩٩٠، تنفي رواية الطيار الإسرائيلي تماما.
فقد ذكر غرين أن السعوديين رصدوا الطائرات الإسرائيلية بالفعل، وأنهم كادوا يتحركون لمواجهتهم، لكن المراقبين الأمريكيين أقنعوهم أن هذه الطائرات مجرد طائرات مدنية، وبالتالي فلم تقلع اي طائرات سعودية من الأساس.
التطوير:
علي مر السنوات، تعددت المهام والأدوار التي استخدمت فيها القوات الجوية الإسرائيلية طائراتها من طراز سي-١٣٠، فبجانب مهمتها الرئيسية في نقل الأفراد والمعدات، تم تخصيص أعداد منها لمهام إعادة تزويد المقاتلات والمروحيات بالوقود في الجو، ومهام إخلاء القوات، والمراقبة والقيادة والسيطرة المحمولة جوا، وكذلك مكافحة الحرائق، وترجع هذه الطائفة الواسعة من المهام إلى حد كبير إلى أدائها الجيد وقدرتها على حمل حمولة كبيرة نسبيًا أثناء العمل من مهابط الطائرات القصيرة.
طائرة سي-١٣٠ إسرائيلية من الطراز الحديث، ٢٤ يونيو ٢٠١٥، Oren Rozen, licensed under the Creative Commons Attribution-Share Alike 3.0 Unported |
في يوليو سنة ٢٠٠٨، اعلنت وكالة التعاون الأمني الدفاعي الأمريكي، أن إسرائيل تقدمت بطلب لشراء ما يزيد عن تسع طائرات من النسخة الأكثر تطورا من السي-١٣٠ "C-130J-30"، والتي تم توسيع بدنها كذلك.
أراد الإسرائيليين من الصفقة أن يحيلوا طائراتهم سي-١٣٠ القديمة والتي تواصل التحليق منذ مطلع السبعينيات في القرن الماضي، ما جعل بدن الطائرة مرهقا، بالنسخة الجديدة الأكثر تطورا، لتتواصل قصة السي-١٣٠ في إسرائيل.
الطراز الجديد C-130J، تم تطويره خصيصا ليلائم مهام نقل القوات الخاصة في القرن الحادي والعشرين، اذ اصبح بمقدورها حمل ٩٢ جندي بدلا من ٦٤، أو حمل أربع سيارات من فئة SUV بدلا من ثلاثة.
وقد انضمت اولي الطائرات من هذا الطراز إلي القوات الجوية الإسرائيلية حينما هبطت في "قاعدة نيفاتيم الجوية" في التاسع من أبريل عام ٢٠١٤.
النسخ الإسرائيلية تم تزويدها بمعدات من إنتاج شركة "البيت سيستمز" Elbit Systems وهي شركة إسرائيلية تنتج الأسلحة ومعدات التكنولوجيا العسكرية.
-----
تم الاعتماد في هذا الموضوع علي بعض المعلومات من مقال بقلم غاري راشبا بعنوان "Israel’s Other Air Force".. أو قوات إسرائيل الجوية الأخرى، والذي التقي فيه مع الطيار الإسرائيلي جوشوا "شيكي" شاني.
غاري راشبا هو كاتب لخمسة وثلاثين كتاب متخصصين في المجالات الدفاعية، والصناعات الجوية، والشأن الدولي، وهو أمريكي يهودي، تخرج من جامعة بنسلفانيا الأمريكية، ثم عاد لإسرائيل وخدم في الجيش الإسرائيلي.