سمعنا جميعا عن الإدمان، عن ذلك الفعل الذي ارتبط في الأذهان دوما بإدمان المخدرات.
بشكل عام، يعتبر الإدمان مصطلح أوسع من ربطه بالمخدرات فحسب، وقد تدهشون أن هناك إدمان للقراءة أو للرياضة، فالادمان حالة يتصف صاحبها بعدم القدرة علي ممارسة حياته بشكل طبيعي بدون فعله ما اعتاد عليه من أمور حد الإدمان.. بداية من كتاب أو قدح قهوة، مرورا بالمخدرات، وصولا إلي المصطلح الأحدث "إدمان الهواتف الذكية".
من فضلك، لا تستهن بهذا الأمر، إنه إدمان العصر الذي يسرق منك وقتك، وحياتك، ويحطمك عمليا، حتى تصل لمرحلة الخوف من فقدانه.. إليك الآن ما تحتاج أن تعرفه عنه..
ظاهرة حديثة:
شهد العالم خلال العقود الثلاثة الأخيرة تطورا مذهلا في عالم الاتصالات، عايشنا أولا ما سمي بعصر الحاسب الآلي "الكمبيوتر"، ثم وجدنا أنفسنا ننتقل لعصر الهواتف المحمولة، وفجأة وجدناها تتحول إلي هواتف ذكية، والتي لم تتوقف في ذاتها عن التطور بشكل يكاد يكون خيالي، لنحيا الآن عصر الهواتف الذكية.
نسب مستخدميها حول العالم ترتفع يوميا، في كل الدول، من كل الفئات والطبقات الاجتماعية ومن الجنسين، بل وحتى الأطفال، ومن منا لا يعرف بعض المحيطين به من يملك هاتفين وليس واحدا.
ليست الرفاهية أو الاستمتاع بالتطبيقات المختلفة علي الهواتف الذكية هي سبب ذلك التوسع فقط، لقد أصبحت الهواتف مع أجهزة التابلت والكمبيوتر شريكا حتى في العمل، وفي الدراسة.
إدمان:
ارتبط بهذه الظاهرة، فئة اصبحت مرتبطة بشكل يشبه الأسر بهواتفهم الذكية، يغلقون أعينهم للنوم بعد لحظات من غلق شاشات هواتفهم، وبمجرد استيقاظهم يكون الهاتف أول ما يمسكون به، ويستمر في يدهم طوال اليوم، وهكذا في عملية دورية مستمرة صباحا ومساءا بلا انقطاع.
تصبح المشكلة أكثر وضوحا عندما يبدأ هذا الارتباط في التأثير سلبا علي حياة هؤلاء البشر والذين ينتمي معظمهم لفئة الشباب، تقل عملية تفاعلهم مع مجتمعهم الحقيقي المحيط بهم، يؤثر ذلك الإدمان أيضا علي دراستهم إن كانوا طلابا، وعلي عملهم إن كانوا من ذوي المهن، بل قد تجدهم يخافون حرفيا من فقدان قدراتهم علي استخدام هواتفهم بما عليها من تطبيقات لأي سبب كان.
مرحبا بكم في عصر مدمني الهواتف الذكية.. الشاعرين بالضياع، الاستياء، وربما الذعر، إذا ما فقدوا هواتفهم أو اتصالهم بالإنترنت.
معيار آخر:
هناك من يضع معيارا ثانيا ليقول أن هذا الشخص مدمن هواتف ذكية... ببساطة احتسب الوقت الذي تمضيه وأنت تمسك الهاتف الذكي، تتصفح وسائل التواصل الاجتماعي أو تلعب بعض الألعاب عليه.
وفي المقابل، احتسب الوقت الذي تمضيه في التفاعل مع الناس العاديين، وتمارس حياتك الطبيعية في المجتمع دون أن تمسك بالهاتف، وهنا من المهم أن يكون هذا الوقت صافيا من استخدام الهاتف، فإذا وجدت انك لا يمكنك منع نفسك من تكرار الإمساك به، والاطلاع علي الاشعارات أو خلافها.
فإذا زاد وقت استخدام الهاتف، فللأسف أنت مدمن للهواتف الذكية... المدهش في هذا المعيار بالذات أنه سيضع مدمني الهواتف الذكية أمام شيء نادرا ما يفكرون فيه، إنه "كم من الوقت يمضونه في استخدامها؟".
وقفة:
هذا الأدمان أصبح له مصطلح للدلالة عليه في الوسط الطبي، نتحدث هنا عن "نوموفوبيا" أو الخوف أو الرهاب من عدم وجود هاتف محمول. هذه الحالة غالبا ما تتغذي علي مشكلة الإفراط في استخدام الإنترنت أو "اضطراب إدمان الإنترنت".
لا نؤيد أبدا، من يعتبرون أن الهواتف الذكية هي الظاهرة الثقافية لهذا القرن، لأن الظواهر الثقافية عادة ما تدفع للأمام وليس للخلف.
عملاق البحث جوجل نفسه، يخبرنا من عمليات البحث عليه أن الناس أصبحوا أكثر معرفة بهذا الادمان، يتضح ذلك جليا من ارتفاع معدلات البحث عنه... وحتى عالم النشر والكتب بدأ يتلقي دفقات متتالية من الكتب التي وضعها مختصين عن هذه الظاهرة وكيفية معالجتها.
يندر أن يكون هذا الإدمان مرتبطا بالهاتف أو التابلت نفسه، الإدمان يحدث هنا للألعاب والتطبيقات المختلفة وعالم الإنترنت الذي يربطنا به، خصوصا أن هذه التطبيقات صممت بشكل دقيق يضمن تغذية حاجة الإنسان للتفاعل المتجدد.
قد لا يعلم الكثيرون أن شركات تصميم وتطوير التطبيقات الكبرى، لديها ضمن موظفيها علماء نفس سلوكيين، تكون مهمتم جعل هذه التطبيقات جاذبة لك مرة بعد أخرى.
يخلق هذا الارتباط عدة مشكلات للشخص مدمن الإنترنت، ومنها:
*العلاقات الافتراضية:
يمكن أن يجعل هذا النوع من الإدمان الشخص المصاب به يصل إلي نقطة تتحول معها الرسائل النصية وتطبيقات التواصل الاجتماعي والأصدقاء الافتراضيون علي الإنترنت أكثر أهمية لديه من العلاقات الواقعية.
*قلة النوم:
من أبرز سلبيات إدمان الهواتف الذكية، هي تأثيرها المدمر لنظام نوم الإنسان، تدفع التطبيقات الإنسان لمتابعتها ليلا دون إدراك للوقت الذي يمر عليه.
تكون المعضلة أكبر، حينما يتابع الإنسان مرور الوقت، ولكنه لا يستطيع أن يقفل هاتفه، رغم معرفته بأنه سيمضي نهاره التالي مرهقا ومتعبا، وربما لن يستطيع النهوض من الأساس، أو سيظل نائما حتى يمر موعد مدرسته أو عمله، هنا يتضح التأثير السلبي للغاية لهذا الإدمان علي حياة الشخص العملية.
*اشعارات وهمية:
وقد تخلق بعض الحالات الأخرى المترتبة عليها مثل "الشعور باهتزازات وهمية"، وهي أن يشعر الإنسان بأن هاتفه يصدر تنبيها بأنه قد وصله بعض الاشعارات، بينما في الحقيقة يكون الهاتف صامتا.
*الحمل الزائد للمعلومات:
وهذا يحدث عندما يزيد الإنسان من وقت ومعدلات تصفح الإنترنت، مشاهدة مقاطع الفيديو، ممارسة الألعاب الإلكترونية، أو الاطلاع علي موجز الأخبار.
حينها يؤدي ذلك الحمل الزائد بالعكس إلي انخفاض انتاجية الإنسان في عمله أو دراسته.
*الانزلاق نحو العلاقات الجنسية الافتراضية:
قد يؤدي ادمان الهاتف لارتكاب الشخص العديد من الآثام الدينية المحرمة، منها مشاهدة المواد الجنسية الاباحية، تبادل الرسائل الجنسية والصور العارية، الانخراط في علاقات جنسية افتراضية.
بعد المعاصي الدينية، فإن هذه الممارسات ستؤثر علي العلاقة الجنسية الحقيقية والشرعية لهؤلاء مع أزواجهم أو زواجتهن.
*تشتيت الإنتباه خلال القيادة:
واحدة من الكوارث التي قد يؤدي إليها إدمان الهواتف الذكية، هو استخدامها حتى خلال قيادة السيارات.
يؤدي ذلك إلي تشتيت عين السائق عن الطريق، وذهنه عن ما ينبغي فعله خلال القيادة، ويديه عن مقود السيارة، إنه ثلاثي مرعب يؤدي إلي حوادث سيارات مفجعة في نهاية الأمر.
تخلص من ادمانك:
في الحقيقة، فإن الخطوة الأولى لمواجهة هذا النمط من الإدمان والتخلص منه، هو مواجهتك لنفسك وادراكك أنك وقعت فيه بالفعل، بدون هذا الاعتراف، لا أمل في حدوث أي تغيير.
وهذه بعض النصائح لتتغلب علي هذا الإدمان بعدما اعترفت بأنك مصاب به:
*أولا: اذا ما كانت الوحدة أو الملل أو التوتر أو القلق، هي سبب اندفاعك نحو استخدامك الهاتف بشكل ادمان، وتجد في هاتفك سبيل مواجهة تلك الحالة، فعليك أن تبحث عن طرق أكثر صحة، بل وأكثر فعالية من هاتفك، مارس الرياضة، ابحث عن هواياتك كالقراءة وغيرها وانخرط فيها، يمكنك ممارسة المشي، الخروج للتنزة، وغير ذلك من الاختيارات الكثيرة.
وبالنسبة للقراءة، فلا تقرأ الكتب عبر هاتفك، هذا يزيد من المشكلة لا يحلها، اقرأ الكتب الحقيقية، استمتع بقلب الصفحات والامساك بالكتاب وملمس أوراقه.
*ثانيا: افهم الفرق بين تفاعلك مع الناس بشكل شخصي، وبين التفاعل عبر الإنترنت، إننا كبشر مخلوقات اجتماعية بطبيعتنا، وليس من الصواب أن نكون منعزلين أو نعتمد علي التكنولوجيا في تواصلنا ببعضنا البعض.
إن التفاعل الحقيقي بين البشر يكون وجها لوجه، تواصل بين البصر، فهم لغة الجسد، احساسنا بالتواصل والأمان مع الآخرين.
*ثالثا: واجه مشكلاتك بشجاعة، لا تجعل التغريد أو الرسائل النصية أو المنشورات هي وسيلتك للتعبير عن توترك أو غضبك.
قد تجد أنه من الأسهل لديك تجنب مشكلاتك، والتواصل مع الأشخاص في هذه الحالة عبر الإنترنت، لكن مواجهتك الحقيقية للمشكلات لا تكون إلا علي أرض الواقع. وبالمناسبة قد تجد في سعيك نحو حل مشكلاتك الطريقة المثلي للتخلص من هذا الإدمان.
*رابعا: ما رأيك أن تحذف من هاتفك التطبيقات التي تستهلك الكثير من وقتك، اذا ما كنت تريد استخدامها علي أي حال، ابقي عليها في جهاز لا تحمله في يدك طوال اليوم، بحيث تتمكن بهذه الطريقة من تحديد وقت معين لهذه التطبيقات، دون جعلها تسرق منك يومك.
*خامسا: يمكنك كذلك ايقاف تشغيل التنبيهات، سيقلل ذلك استخدامك للهاتف بصورة كبيرة، فلن تقوم كل مرة يصلك اشعار لفتحه ومشاهدته، وثم تجد نفسك انتقلت من إشعار إلي آخر ومن تطبيق إلي الثاني والثالث.
ومن فضلك، لا تأخذ هاتفك بصحبتك داخل دورة المياه.
*سادسا: في الليل، وقرب موعد نومك ابعد هاتفك عن غرفتك كلها.
إذا ما كنت من هؤلاء الأشخاص الذين يعتمدون علي منبه الهاتف لايقاظهم كل صباح، يمكنك شراء منبه تقليدي، من ذلك الذي كان أباءنا واجدادنا يستخدمونه، سيعطيك هذا شيئا فريدا في غرفتك ولمحة من ذكريات الماضي، وإن كنت تحب أن تشتريه منبها عصريا، فستجد العديد من التصميمات اللطيفة أيضا.
في النهاية،، فإن هذه الهواتف الذكية ستبقي في عالمنا، لذا فإن علينا "فهم" كيف نستخدمها بشكل يفيد ولا يضر.