تردد في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي مؤخرا، بل وعرض في عمل درامي، مصطلح غريب علي الأذان هو "الاغتصاب الزوجي".
ومرجع غرابة هذا المصطلح، أنه مصطلح ليس من نبع ثقافتنا الشرقية عموما، فهو مصطلح دخيل عليها من انتاجات الغرب.
سؤال:
والسؤال الأول الذي سيتبادر إلي الأذهان في دهشة، هل هذا ممكن؟.
هل من الممكن أن يغتصب زوج زوجته؟.. وكيف يحدث هذا أصلا.
يقول المروجين لهذه الفكرة أن وصف الاغتصاب يندرج حتى علي العلاقة الزوجية، اذا ما تمت بدون موافقة الزوجة أو كرها عنها.
واذا ما نظرنا إلي قانون العقوبات المصري، والذي وبكل تأكيد لم يدر في ذهن من وضعوه منذ عشرات السنين فكرة "الاغتصاب الزوجي" ، نجد مع ذلك أن النص قد يستخدم حتى في حالة المعاشرة الزوجية، إذ جاء عاما بلا تخصيص، وذلك لأن المجتمع المصري لم يعرف في تلك الأيام هذه الأفكار المستوردة، والغريبة عليه. فكان واضعي القانون وقتها يتعاملون مع الاغتصاب كجريمة تحدث من أي شخص بخلاف الزوج.
فنقرأ في المادة ١ / ٢٦٧ من قانون العقوبات -الوارد في الباب الرابع في شأن جرائم هتك العرض و إفساد الأخلاق ضمن الكتاب الثالث من ذات القانون في شأن الجنايات و الجنح التى تحصل لآحاد الناس- على أن "من واقع أنثى بدون رضاها يعاقب بالسجن المؤبد".
فهل من الممكن ان نصل ذات يوم إلي هذه المرحلة التي يعاقب فيها زوج بعقوبة هي الأكثر قسوة بين سائر عقوبات القانون المصري كله بعد عقوبة الإعدام، لأن زوجته اتهمته بهذا الفعل؟.. إنه الجنون بحد ذاته.
باب ظلم:
إن الحديث عن جعل ما يسمي" الاغتصاب الزوجي" جريمة، هو فتح باب ظلم لا يمكن سده.
وحتى وإن قيل أنه سيتم وضع "نص خاص" في القانون، ينزل بالعقوبة ويجعلها أقل، فإنه سيظل ظلم بين.
ذلك لأن تلك المسألة لا يمكن بحال من الأحوال اقامة أي دليل عليها، ولن يكون هناك بشأنها أي شيء إلا مجرد ادعاء قولي من الزوجة، لا تملك عليه دليلا.
فجرائم الاغتصاب يمكن اثباتها بفقدان البكارة مثلا إن كانت وقعت علي فتاة بكر، ويمكن اثباتها إن وقعت علي سيدة متزوجة باجراء تحليل معملي يتبين منه البصمة الخاصة بالسائل المنوي للرجل الذي اغتصبها.
أما اثبات اغتصاب زوج لزوجته فهو أمر مستحيل عقلا ومنطقا وواقعيا، إلا اذا كان من يروجون لهذه الافكار يريدون زرع كاميرات تسجيل في غرف النوم تهتك الستر وتكشف الحرمات.
ولهذا السبب بالتحديد رأينا من يدعو لتصديق أي امراة تتهم زوجها بتلك التهمة دون أي دليل أو شرط أو اثبات، هكذا تهدم القوانين، هكذا يهدم العدل والحق والانصاف، هكذا يكون كل رجل في العالم مهدد في حياته وكرامته وشرفه ورجولته، ويكون كل هذا مرهون بامراة قد تصدق أو تكذب، او حتى قد تكون مريضة او تمر بأزمة نفسية، وغير ذلك من عشرات الاحتمالات.
هكذا هذه الدعوات التي تفتقر في ذاتها لأي حق وعدل، بل تفتقر للمنطق الطبيعي للأمور في كل زمان ومكان، ما يكشف لنا عن خلل في الطرح، بل خلل في تفكير من يطرح تلك الأمور من الأصل، أو عن وجود أجندة يحركه أصحابها كالدمية بلا عقل.
نقطة نظام:
إن هذه الدعوات تتجاهل بكل غرور وتكبر، التنظيم أو النظرة الدينية لمسألة العلاقة الزوجية، والتي أساسها في الإسلام تبادل الحب والمشاعر، وليس تحويلها لمسألة متدنية خالية كما يروج أصحاب تلك الدعوات.
فنقرأ قوله تعالى:
((وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)).
إذن فالعلاقة الجسدية، جزء من العلاقة العامة بين الزوجين، والتي من المفترض إنها علاقة مودة وسكن، بل تسمو لتكون آية من آيات ﷲ في خلقه، ومن المفترض أن نسعي لجعلها كذلك، لا للهبوط بها إلي درك سفلي يجعلها سلاحا في يد الزوجة، وخوفا في نفس الزوج، ما يفقدها أصلا فرصة المودة والسكن، ويجعلها علاقة فاشلة، وهو أساس خراب الكثير من العائلات والأسر.
وقوله عز وجل:
((وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَة اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ)).
وهذه نقطة أخرى، فالعلاقة الجسدية هي وسيلة الإنجاب، والانجاب يحب الشخص أن يكون ممن اختار أو اختارته نفسه، لاكمال حياتهما معا، وليصير لهما ابناء وأحفاد فيما بعد، وكلها معاني ودلالات سامية، قد تغيب عن أذهان من يتحدث عن "الاغتصاب الزوجي"، الذين بدعوتهم تلك يحولونها للباطل، ويجحدون نعمة ﷲ علي البشر بأن جعل بعضهم لبعض أزواجا.
وقوله:((أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ)).
واللباس هنا يعني الستر والغطاء، وهكذا الزوجين من المفترض أن يكونا، فالزوجين في الإسلام يكملان بعضهما البعض، لا يتنافران، ولا يدخلان في علاقة جزر منفصلة أو منعزلة، وهذا ما لا يفهمه ضعاف العقول، أو أصحاب الأجندات الراغبين في افقاد الأسرة العربية أهم سماتها وهي التكامل بين أفرادها، وجعلهم متربصين ببعضهم البعض، فيتفتت المجتمع ويصبح في حالة تنازع داخلية دوما.
والآية الكريمة تتحدث عن تحريم العلاقة بين الزوجين في نهار رمضان، وجعلها مباحة ليلا، وهي مسألة طبيعية، أن يشعر الزوجين بحاجتهما للعلاقة الجسدية، ويأتي الصيام ليضع حدا لرغباتهم لتهذيب النفس ورياضتها، وهذه هي النفوس السوية.
وقوله أيضا:
((وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)).
وهذه الآية الكريمة تتسم بأهمية شديدة، اذ لها أكثر من دلالة :
-أولا : جعلت للسيدات فترة كل شهر، يحرم فيها أصلا العلاقة الزوجية الكاملة وذلك بسبب تغيرات جسدية وفسيولوجية تطرأ عليهن.
-ثانيا: يمكن علي سبيل القياس والاستصحاب، وعندما تكون نفوس الزوجين صافية، والود هو السائد، أن يتحمل الزوج زوجته حتى في غير تلك الفترة إن كانت تعاني من شيء يمنعها، والعكس صحيح، فكثيرا ما يحدث أن تقل الرغبة أو تنعدم لدي الزوج وتتواجد لدي زوجته، لكن معيار قياس الأمور لدي أصحاب الاغتصاب الزوجي، معيار أعرج يسير علي قدم دون الأخرى.
-ثالثا: أن العلاقة الجسدية في الإسلام لها أداب، لا ترهق الزوجة بالاتيان من أماكن قد تنقل لها أمراض أو الآلام الشديدة، وهو أمر غير متبع في منبع الحضارة الغربية التي اتوا منها بفكرة الاغتصاب الزوجي، اذ لا مانع في أي شكل من أشكال العلاقة مهما شذ وغرب، فسمعنا باسم الحرية عن السادية والمازوخية والشذوذ، وغيرها من العاهات النفسية والطبية والواقعية.
قلب الطاولة:
إن هذا المصطلح "الاغتصاب الزوجي" ، ما هو إلا واحد من ترسانة من الأساليب التي تستعمل -قصدا أو من غير قصد- لهدف هدم الأسرة، نواة المجتمعات البشرية الأولى، عبر تفريغ الزواج من معناه الحقيقي كسكن ومودة ورحمة، إلي معركة بين طرفين، ينتظر كل منهما خطأ الثاني كي يبدأ هجومه عليه بالمدفعية الثقيلة.
المفاجأة اننا لا ننكر حدوث ذلك ولا ننفيه نفيا قاطعا، بالتأكيد يوجد ازواج يعاملون زوجاتهم في العلاقة الجسدية معاملة تنحط بالعلاقة حتى تشعر المرأة أنه اغتصاب أو تعذيب، هذا يحدث ولا ننكره.
لكن معالجة الأمر من جماعات النسوية، وتحويله لقضية هوجاء لا تري، ولا تسمع إلا نفسها، يخرج بها عن كونها حالة تستحق المعالجة لا أكثر، إلي آفاق مفسدة لأجواء الأسر والمجتمعات.
بالتأكيد من المهم أن تتم التهيئة النفسية للمقبلين علي الزواج، والحقيقة أن المسألة الجنسية لا تحتاج إلا شخص طبيعي تمت تربيته بصورة سليمة، وسيدرك بفطرته السوية أن العلاقة الحميمية هي علاقة نفسية وتواصلية، تسمو بالبشر وتزيح عنهم كثير من أعباء الحياة.
من المهم ادراك أن حسن المعاملة المتبادلة خارج حدود الفراش، ينعكس ايجابا داخل الفراش من سهولة في تدفق مشاعر الحب والتواصل.
إن مثل هذه القضايا تعقد حتى الفطرة التي فطر ﷲ الناس عليها، وتجعلها مسألة حربية، يترصد فيها كل طرف للآخر، ولا ندري لمصلحة من كل هذا العبث.
حلول أخرى:
الحقيقة أيضا أن المحاكم المصرية تشهد تراكما مخيفا من جبال ملفات قضايا الطلاق والخلع، وأن القانون المصري للأحوال الشخصية منح المرأة الحق في طلب تطليق نفسها بحكم قضائي، وكذلك خلع زوجها بحكم قضائي.
الشاهد من هذا، أن المرأة التي تتعرض للاغتصاب الزوجي، بل وقد تتعرض لما هو أبسط من ذلك بكثير، يمكنها أن تنهي العلاقة الزوجية في صمت وبدون جلبة إعلامية عن اغتصاب زوجي أو غيره. وهو ما يجري يوميا في مصر، لذا علينا التوقف هنا والسؤال عن صاحب المصلحة في إثارة قضايا من هذا النوع، وسط مجتمع اتاح للمرأة حلولا كثيرة لإنهاء العلاقة الزوجية.
مسألة الجسد:
في النهاية، فإن من الواجب طرح سؤال جديد حول مسألة الجسد.
فمن يتحدث عن "الاغتصاب الزوجي"، ينسي أو يتناسي حالات كثيرة تمتنع فيها المرأة "عمدا" عن العلاقة الجسدية مع زوجها، بل وتحولها إلي سلاح تستخدمه ضده لتحقيق بعض المكاسب المادية أو السيطرة المعنوية علي الزوج.
أليس في ذلك اعتداء علي حق الزوج؟.. أو لا يفتح هذا الباب سبيلا للخيانة الزوجية؟.. فلماذا لا يتحدث هؤلاء عن تلك النقاط، والتي هي معروفة للكافة، ولكن القضية ليست مطلقا قضية حقوق، بل هي اجندات مفروضة فرضا.
تشتكي جماعات النسوية دائما من التمييز ضد المرأة، لكنها لا تنتبه أنها نفسها في كافة أطروحاتها تمارس تمييزا عكسيا ضد المجتمع كله وليس الرجال فحسب، فهي جماعات عنصرية في الأساس تتحيز علي أساس الجنس. ولابد لكل عاقل أن يلفظ التفكير علي هذا الأساس الذي يفرق ولا يجمع، يهدم ولا يبني.
إن الحياة صعبة في طبيعتها، وتزيد صعوبتها دوما مع زيادة متطلبات البشر فيها وتنوعها وتعقدها، وزيادة أعدادهم، وزيادة المنافسة بينهم، والإنسان ليعيش بسلام نفسي يحتاج لشريك ومكمل له، يشاركه لحظات الفرح والسعادة والأمل وتلك التي تكتسي بالحزن والضعف، هكذا خلقنا ﷲ، ولكن البعض يريد تغيير تلك الأسس وبناء مجتمعات خاوية من كل يد عون، تقتات علي اشعال الخلافات واضطرام الحرائق في كل منزل تنزله.