وحدها واشنطن من تستطيع إنقاذ مفاوضات سد النهضة الآن.
منذ أن أعاقت إثيوبيا المفاوضات، تحتاج مصر إلى الولايات المتحدة للحفاظ على وصول نهر النيل إليها.
بقلم معتز زهران، السفير المصري لدي الولايات المتحدة الأمريكية، ومساعد وزير الخارجية المصري سابقا، مقال نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية الشهيرة.
رجال يفحصون قضبان حديدية ستستخدم في تشييد سد النهضة الإثيوبي الكبير، صورة في إثيوبيا بتاريخ 26 ديسمبر 2019، الصورة بعدسة ادواردو ستيوراز ، صورة من غيتي. |
في أوائل أبريل الماضي، أحبطت إثيوبيا عملية وساطة أخرى، هذه المرة كان بقيادة الاتحاد الأفريقي، لحل الأزمة المتصاعدة علي نهر النيل حيث تقوم إثيوبيا ببناء سد النهضة الضخم والذي من شأنه أن يعطل المصدر الرئيسي للمياه العذبة لكل من مصر والسودان، -يمكنك من هنا قراءة موضوعنا "سد النهضة وسدود أخرى.. حلم إثيوبيا ببيع المياه لمصر والسودان أو لمن يدفع أكثر".
مثلت تلك المفاوضات ما وصفته وزارة الخارجية المصرية حينها بأنها "الفرصة الأخيرة" لإثيوبيا لحل نزاع مستمر منذ 10 سنوات.
تصرفات احادية:
ومع اقتراب إثيوبيا من ملء خزان السد من جانب واحد، وبالتالي تجاوز "الخط الأحمر" الذي حدده الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فقد يكون الأمر متروكًا للولايات المتحدة للمساعدة في التوسط في حل سلمي ومنع الاضطرابات في المنطقة، والتي وبلا شك تتطلع قوى التطرف والإرهاب لاستغلالها في حال حدوثها.
أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أنه لا يستطيع أحد المساس بنقطة مياه واحدة من نصيب بلاده من مياه النهر |
إن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن والتي تدرس حاليا أفضل سياسة من الممكن اعتمادها لإدارة ذلك الوضع، يجب عليها أن تتصرف "الآن"، ذلك لأن مستقبل النيل أصبح علي المحك، إن هذا النهر هو شريان الحياة لملايين من المصريين والسودانيين. ففي عام 2011 وبدون اي استشارة لأي من جيرانها في مجرى النهر، بدأت إثيوبيا في بناء سد خراساني يبلغ ارتفاعه 509 قدم علي نهر النيل الأزرق وهو جزء حيوي من نهر النيل، هذا السد كبير مع خزان يكفي لملء ضعف كمية المياه الموجودة في "بحيرة ميد" وهي أكبر خزان اصطناعي في الولايات المتحدة الأمريكية.
اذا تم الاستمرار في ملء وتشغيل السد من جانب واحد، فإن هذا قد يتسبب في إلحاق أضرار اجتماعية واقتصادية وبيئية لا تحصى في مصر والسودان.
صورة مقربة بالقمر الصناعي لسد النهضة الإثيوبي في يونيو ٢٠٢٠. |
في العام الماضي علي سبيل المثال، وفي انتهاك لمعاهدة عام ٢٠١٥ بين الدول الثلاثة، بدأت إثيوبيا عملية ملء أولية للسد.
تقويض الدور الأفريقي:
علي الرغم من أن البيانات السياسية الإثيوبية تتحدث عن التزامها بعملية الوساطة التي يقودها الاتحاد الأفريقي، بالاستناد لمبدأ "الحلول الأفريقية للمشاكل الأفريقية"، فمن الواضح أن تصرفات إثيوبيا تقوض علي أرض الواقع، دور الاتحاد الأفريقي.
وقد تجلي ذلك من خلال رفض إثيوبيا القاطع في الاجتماع الأخير في كينشاسا، عاصمة جمهورية الكونغو الديمقراطية، في أبريل الماضي، لمقترحات مشتركة ومتعددة من كلا من مصر والسودان لتمكين عملية المفاوضات التي يقودها الاتحاد الأفريقي من النجاح، وذلك لأن إثيوبيا تفضل أن يكون دور رئيس الاتحاد الأفريقي دورا رمزيا، وليس دورا نشط.
عصر جديد:
ويلوح الآن عصر جديد من الإستقرار والأزدهار الاقتصادي المشترك في كل من أفريقيا والشرق الأوسط، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلي القيادة الثابتة للولايات المتحدة الأمريكية.
توقيع اتفاقيات السلام بين إسرائيل من جانب، والبحرين والإمارات من جانب آخر، بوساطة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. |
وأحد الأمثلة على التغييرات المرحب بها التي تجتاح المنطقة، هو اتفاقيات التطبيع الأخيرة التي توسطت فيها الولايات المتحدة بين إسرائيل وعدد من الدول العربية ، والتي كانت تذكرنا بمعاهدة مصر الرائدة مع إسرائيل -التي توسطت فيها أيضًا الولايات المتحدة- قبل أكثر من ٤٠ عامًا.
واليوم، تمتلك الولايات المتحدة النفوذ اللازم لتشجيع إثيوبيا بنجاح على الانخراط بحسن نية في مفاوضات سد النهضة والامتناع عن الإجراءات الأحادية والسعي لتحقيق المصالح الذاتية الضيقة، والتي أضرت بالمصالح المشروعة لجيرانها.
ذلك لإن التماس الخبرة من الشركاء الدوليين، بما في ذلك الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، بهدف دعم عملية الوساطة التي يقودها الاتحاد الأفريقي، سيكون ذا قيمة كبيرة في جعل المفاوضات تؤتي ثمارها في أقرب وقت ممكن.
انسحبت إثيوبيا من المفاوضات التي قادتها الولايات المتحدة والبنك الدولي العام الماضي |
سيضمن هذا الاقتراح أيضا عدم وجود مجال لتوجيه أصابع الاتهام بشكل خاطئ، كما أنه لن يكون مجديا لإثيوبيا أن تتحدي حياد كل هؤلاء الشركاء بقيادة رئيس الاتحاد الأفريقي، كما فعلت إثيوبيا مع إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بعدما قامت بالتخلي عن عملية الوساطة التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية في العام الماضي.
درس التاريخ:
إن التاريخ يظهر لنا أنه يمكن لنزاع واحد يثور حول النيل آثار مضاعفة ضارة، تزعزع الإستقرار في المنطقة، وتصل أثارها إلي حلفائنا في الغرب.
إرهابيين يتبعون تنظيم داعش في شرق أفريقيا |
إن الفشل في حل المشكلة المتصاعدة بسرعة بشأن سد النهضة سيؤدي إلى تسريع الآثار المدمرة بالفعل لتغير المناخ في المنطقة، وإطلاق موجة من الهجرة غير الشرعية إلى الغرب، وفتح الباب أمام صراعات جديدة، وحتى للإرهاب في الشرق الأوسط وشرق إفريقيا.
من خلال الدبلوماسية ذات المبادئ يمكن لإدارة بايدن إعادة ضبط المفاوضات المتعثرة، وتحقيق حل عادل لجميع الأطراف، وبذلك، في نهاية المطاف، حماية مصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية مع ثلاثة حلفاء إقليميين مهمين.
مصدر الموضوع:
معتز زهران، السفير المصري لدي الولايات المتحدة الأمريكية، مقال نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية الشهيرة بتاريخ 29 أبريل 2021.