منذ أن حصلت على صواريخ سكود-بي بعد أن تعرضت مدنها لهجمات صاروخية خلال الحرب الإيرانية العراقية ١٩٨٠-١٩٨٨، تعتبر إيران أن الصواريخ الباليستية أمر حيوي لقدرتها العسكرية، خصوصا مع افتقارها لسلاح جو حديث بسبب حظر السلاح، كجزء من العقوبات الدولية المفروضة عليها.
توازن القوة:
يري الإيرانيين في الصواريخ الباليستية، والصواريخ الكروز، والطائرات بدون طيار، وسيلتهم لخلق حالة من توازن القوى.
وبالنظر لحجم ومدى ترسانة الصواريخ الإيرانية، نجد أنها الأكبر والأكثر تنوعا في كل دول المنطقة، ما يعكس الأهتمام الذي توليه إيران لهذه الأنظمة، وفي هذا العام ٢٠٢١، فلدي إيران ما بين ستة إلي ثمانية طرازات من الصواريخ التي تعمل بالوقود السائل، وما يصل إلي ١٢ طراز من الصواريخ الباليستية التي تعمل بالوقود الصلب.
اطلاق صاروخ إيراني، صورة من International Business Time.
كما يقدر امتلاك الإيرانيين ما يصل إلي ١٠٠ قاذفة صواريخ باليستية قصيرة المدى متحركة علي الطرق، وربما يصل عدد القاذفات المتحركة للصواريخ الباليستية متوسطة المدى نحو ٥٠، ولديهم نحو ١٠٠٠ صاروخ لتطلقها تلك القاذفات.
قيد خامنئي:
وفي الوقت الحالي، فعلي ما يبدو فإن مدى جميع الصواريخ الباليستية الإيرانية لا يزيد عن ٢٠٠٠ كيلومتر، وهي مسافة يتقيد بها الإيرانيين وفقا لما يعتقد أنه قيد حدده المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي، فلا تتجاوزه صواريخهم.
يتوافق هذا الحد مع عقيدة استخدام الصواريخ التي تغيرت خلال العقد الماضي من الزمن، من مجرد سلاح يعتمد عليه فقط بتنفيذ هجمات ضد المدن، او غيرها من الاهداف عالية القيمة، ليصبح الآن سلاحا أعطيت أولوية لتحسين دقته، مما يمكن من يستخدمه من حرمان أعدائه من تحقيق اهدافهم العسكرية، وذلك بسبب دقة إصاباته مما يجعله يحدث تغييرات علي أرض المعركة.
مقاتلة اف-١٥ سعودية، تملك هذه المقاتلة امكانيات تتفوق علي جميع طائرات سلاح الجو الإيراني، صورة من AFP.
ففي حالة إيران، يمكن للصواريخ الدقيقة أن تمنع أعدائها من الوصول لأراضيها، بل حتى للأراضي الحدودية الواقعة داخل الدول المجاورة لها، وترفع تكلفة القيام بأي حشد في مكان قريب منها. كما يمكنها مضايقة السفن المنتشرة في مياه الخليج، وتهديد الموانئ التابعة للدول المعادية لها، وضرب المطارات، مما سيقلل معدل الطلعات الجوية التي تعتبر أمر حيوي للولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج العربي في أي صراع لها مع إيران، اذ تعتمد تلك الدول علي أسلحتها الجوية المتطورة بشكل أساسي في استراتيجيتها القتالية.
زيادة دقة الصواريخ، واستخدام الطائرات بدون طيار المنخفضة التكلفة نسبيا، ظهر اثرهم بشكل واضح في هجوم سبتمبر ٢٠١٩ الذي استهدف منشآت بقيق النفطية في المملكة العربية السعودية. وهو الهجوم الذي يزعم أن المتمردين الحوثيين في اليمن والمدعومين من إيران هم من قاموا بتنفيذه. هذا كله بخلاف أن زيادة دقة الصواريخ تعطي لإيران خيارات هجومية جديدة تعزز من موقفها العسكري.
غابة الصواريخ:
ويلاحظ تركيز الإيرانيين علي الدقة في العديد من أنظمة الصواريخ. كالتالي:
***قيام-١: وهي من طراز صواريخ شهاب-٢، بمدى يصل إلي ٨٠٠كم، صواريخ باليستية قصيرة المدى، برأس حربي قابل للانفصال، يزن الرأس الحربي المتفجر نصف طن، ويحظي الصاروخ بتوجيه أفضل من الأرض.
الصاروخ قيام-١
تم تهريب صواريخ قيام للحوثيين في اليمن، وهناك وللتغطية علي أصلها أسموها "بركان-٢ اتش"، وتم استخدامها فعليا ضد المواقع السعودية.
هناك نسخة معدلة من صواريخ قيام، يبدو أنه قد تم تطويرها لتكون قادرة علي مناورة الدفاعات الجوية، وزيادة تحسين دقتها، وقد تم استخدام هذا النوع من الصواريخ في هجوم كانون الثاني / يناير ٢٠٢٠ ضد قاعدة عين الأسد الجوية في العراق والتي تتمركز فيها القوات الأمريكية، ردا علي حادثة اغتيال القائد الإيراني البارز قاسم سليماني بهجوم شنته طائرة أمريكية بدون طيار ضد سيارة استقلها عقب خروجه من مطار بغداد.
***عماد: وهو صاروخ مشتق أساسا من صاروخ إيراني ذو مدى أطول هو الصاروخ قدر-١، الذي يعتبر مماثلا لفئة الصواريخ شهاب-٣، والتي تنتمي لفئة الصواريخ الباليستية متوسطة المدى، والتي يبلغ مداها ١٨٠٠كم.
الصاروخ الإيراني عماد في مرحلة ما قبل الإطلاق، صورة نشرتها وزارة الدفاع الإيرانية.
المسؤولون الإيرانيين قالوا كذلك أنه قد تم تجهيز الصاروخ عماد بعربة إطلاق متنقلة مخصصة له، مما يعطيه حرية الحركة، وحرية اختيار مكان الإطلاق، ما يجعله سلاحا قد يكون من الصعب تحديد أين سيضرب بالتحديد، وهي ميزة عسكرية هامة.
يمثل الصاروخ عماد نتاج جهد إيران في تحسين دقة صواريخها متوسطة المدى، وزيادة قدراتها علي التدمير والفتك.
***عائلة الصواريخ فاتح: وهي عائلة صواريخ باليستية قصيرة المدى، متحركة علي عربات إطلاق، وتعمل بالوقود الصلب.
يزعم الإيرانيين أنهم طوروا الصاروخ بزيادة مداه ليصل إلي ١٤٠٠كم بدلا من ٣٠٠كم في الأصل، وتطور كذلك من حيث الدقة عبر ربطه بمحطة أرضية تعطيه إرشادات نحو الهدف، وأنه قد تم صناعة نسخة خاصة منه مخصصة للهجوم ضد السفن.
الصاروخ الإيراني فاتح-١١٠ علي متن عربة اطلاقه، صورة من عرض عسكري إيراني في ٢٠١٢، نشرتها وقتها منتديات إيرانية.
عائلة الصواريخ فاتح تتسم بأن رأسها الحربي متماثل في العديد من إصداراتها، هذا وقد نقلت إيران تكنولوجيا تصنيع بعض أنواع صواريخ العائلة فاتح إلي سوريا، وبعض التنظيمات الغير حكومية.
وتعتبر الصواريخ من العائلة فاتح، تعبيرا عن الخطوات المهمة التي قطعتها إيران في مجال تطوير الصواريخ التي تعمل بالوقود الصلب. خطوات مهمة ومفيدة بالفعل، فلقد قصروا الوقت بصورة كبيرة اللازم لتجهيز الصاروخ وإطلاقه.
***سجيل: وللمرة الأولى منذ عام ٢٠١١، وفي مناورة عسكرية تمت في يناير ٢٠٢١، صواريخ ذات مرحلتين تعمل بالوقود الصلب، إنها صواريخ سجيل الباليستية المتوسطة المدى. والتي تصل عندما يركب عليها رأس حربي بزنة ٧٠٠كجم إلي مدى ٢٠٠٠كم، أي لأقصى مدى يسمح بها حد خامنئي.
وعلي الرغم من أن حالة انتشار صواريخ سجيل غير معروفة بدقة، فمن المحتمل أن تكون هذه الصواريخ لا تزال بحاجة إلي لمزيد من الاختبارات البسيطة، ليصبح من الممكن اعتبارها موثوقة وفقا للمعايير العادية.
الصواريخ عابرات القارات:
وعلي الرغم أيضا من ادعاءات إيران أنها لا تملك أي صواريخ يزيد مداها عن ٢٠٠٠كم، فإن ايران سعت في ثلاث مسارات، يمكنها من خلال أيا منهم، امتلاك صاروخ باليستي عابر للقارات ICBM. وذلك علي النحو التالي:
١-مركبة اطلاق فضائي، اعلنت عنها في ١ فبراير ٢٠٢١، ورغم أنه لم يتم اعدادها لحمل رؤوس حربية، لكن قدرة الدفع التي وصلت حتى ٧٤ طن خلال المرحلة الأولى لاطلاق المركبة التي يبلغ قطرها ١،٥، هي قدرة أكبر كثيرا مما هو مطلوب لوضع قمر صناعي في مساره، وهذه القدرات تجعل إيران بالقرب من امتلاك قدرة تطوير صواريخ باليستية عابرة للقارات، تعمل بالوقود الصلب.
اعلنت إيران في أبريل ٢٠٢٠، أنها اطلقت قمر صناعي عسكري للفضاء بشكل ناجح، صورة من PA.
٢-في حالة ما اذا حصلت إيران علي المحركات المصنوعة بعصر الاتحاد السوفيتي طراز RD-250 والتي تعمل بالوقود السائل، من خلال النظام الكوري الشمالي والذي تربطه علاقات تعاون مع إيران، أو حتى من مخزونات غير رسمية حاليا تسربت لبعض الأيادي مع تفكك الاتحاد السوفيتي، سيكون بمقدورها تطوير صواريخ تصل لمسافة ١٢،٠٠٠ كم، علي غرار صواريخ "هواسونغ" الذي أطلقته كوريا الشمالية في نوفمبر ٢٠١٧.
٣-هناك أيضا محرك الصواريخ من نوع R-27، والذي يرجع أيضا للحقبة السوفيتية، والذي وردت تقارير أن إيران استلمته من كوريا الشمالية ومن العام ٢٠٠٥، واستخدمته لتطوير الصاروخ خرمشهر، وهو صاروخ باليستي متوسط المدى.
الادعاءات تقول أن الصواريخ الفضائية الإيرانية التي تعمل بالوقود السائل، مثل سفير، وسيمرغ، يمثلان مجرد غطاء لتطوير الصواريخ الباليستية العابرة للقارات قد تم تضخيمه باعتبارهما ممثلان لطموحات إيران الفضائية المدنية، تمويها علي قدراتها العسكرية.
ذلك على الرغم من أن إيران تُظهر للعلن التقنيات والقدرات التي أضافتها على الصواريخ الباليستية. فإن المركبات التي قالت عنها أنها مصنوعة خصيصا لبرنامجها الفضائي تتمتع بقدرات أفضل.
علي سبيل المثال، فإن أحمد حسيني وهو المتحدث باسم هيئة الصناعات الفضائية الجوية، قال إن مركبات الاطلاق الفضائي الصاروخية لدي إيران يمكن اطلاقها من منصات إطلاق متحركة.. هذا الحديث يشير أصلا لما يمكن أن يكون طبيعة استخدام هذه الصواريخ بشكل مزدوج، مدني وعسكري... وإلا فما ضرورة صنع منصة متحركة لصاروخ يطلق الاقمار الصناعية في الفضاء، وأضاف السيد حسيني أن هناك طرازات مستقبلية منها ستسخدم أغلفة أخف للمحركات الصاروخية، ونظام دفع اكثر تطورا، وستكون فوهات المحرك التي ينفث منها نيرانه ويمكنها التحرك، ونظام المحركات عبر خاصية thrust vector والتي تعطي للصاروخ ميزة وقدرات مناورة بشكل هائل.
هذه التقنيات والتكنولوجيات المتطورة، ستساهم أيضا في استخدامها لصناعة الصواريخ الباليستية، وذلك كجزء من إستراتيجية التحوط الإيرانية، والتي قد تقفز علي حاجز مرشدهم خامنئي الذي وضعه عند ٢٠ ألف كم.
طائرات وصواريخ:
في الوقت ذاته، توسع إيران قدراتها على الضرب في جميع أنحاء المنطقة من خلال التطوير المستمر وإدخال الطائرات بدون طيار المسلحة، وصواريخ الهجوم البري أو LCAM.
صورة لمنشآت شركة أرامكو السعودية للنفط يتصاعد منها الدخان عقب الهجوم عليها، صورة من رويترز
على سبيل المثال، في أيلول / سبتمبر ٢٠١٩ ، تم استخدام صاروخ قدس ١ الذي يبلغ مداه ٧٠٠ كيلومتر لضرب منشأة أرامكو السعودية في حقل خريص النفطي، وأعلن المتمردون اليمنيون الحوثيون مسؤوليتهم عن الهجوم ولكن من المحتمل أن تكون إيران قد خططت له ونفذته.
ومع ظهور صاروخ القدس-٢ الجوال، فإن المدى وصل لألف كم تقريبا، ومن الممكن ان يدخل الإيرانيين صاروخ أحدث من نفس هذه العائلة، وناتج عن تطويرها يصل مداه إلي ١٥٠٠كم.
اما بالنسبة للصواريخ المضادة للسفن، فبداية من امداد الصين لإيران بأنظمة HY-1 (Silkworm أو دودة القز) في منتصف الثمانينيات، نشرت إيران أيضًا مجموعة من الصواريخ القصيرة والمتوسطة والطويلة المدى المضادة للسفن علي مدى تلك السنوات.
لقد زودت إيران حزب الله اللبناني بصواريخها من نوع نصر ويبلغ مداه ٣٥ كم ونور بمدى ١٢٠ كم، ومؤخراً زودت الحوثيين بها.
بعض المعلومات الواردة بالموضوع، تم الاعتماد فيها علي المصادر التالية:
-ترجمة لجزء من دراسة طويلة صادرة في أبريل ٢٠٢١، المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية.